وَبلغ فِيهِ الأمل ورأي لَهُ من الْعُمر ذَاك الَّذِي كَانَ أمل صَار لَهُ أعدى الْأَعْدَاء وَكَانَ مِنْهُ أبعد الْبعدَاء كَمَا قد سمع بِجَمَاعَة قَتلهمْ أَوْلَادهم ليستعجلوا ميراثهم أَو ليصير لَهُم الْملك بعدهمْ ونعوذ بِاللَّه من أَمر لَا يستخار الله فِيهِ وَلَا يرد إِلَيْهِ عِنْد تمنيه
وَكَذَلِكَ إِن كَانَ صَاحب تِجَارَة فِي سوقه وملتزما فِي دكانه إِنَّمَا هُوَ من الْحَانُوت إِلَى الدَّار وَمن الدَّار إِلَى الْحَانُوت وَمن الصَّباح إِلَى الْمِصْبَاح وَمن البكرة إِلَى آخر الرواح
وَإِن كَانَ مِمَّن يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد وَيكثر التعاهد لَهُ قل مَا يَخْلُو فِيهِ مَعَ ربه ويتنصل من ذَنبه إِنَّمَا هُوَ فِي الحَدِيث مَعَ فلَان والضحك مَعَ فلَان وَالسُّؤَال عَن أَحْوَال الإخوان وَمَا جرى فِي الْبلدَانِ وَمَا اتّفق فِي الْقَدِيم من الْأَزْمَان
وَرُبمَا أخرجه ذَلِك إِلَى الْغَيْبَة وَكثير من الْبُهْتَان
وَكَذَلِكَ صَاحب الصَّنْعَة والضعيف من الحرفة إِنَّمَا هُوَ فِي كد وعناء وتعب وشقاء وَنصب وبلاء وكده وجهده ولذته وأمنيته أَن يكسو ظَهره ويشبع بَطْنه أَو يقوم على عِيَال أَو يَغْدُو على أَطْفَال مَعَ شكايته لرَبه وتسخطه لحكمه وتبرم بِقَضَائِهِ وَقلة صبره على بلائه وَلَا يحدث نَفسه بِمَوْت وَلَا يخْطر بِبَالِهِ زَوَال وَلَعَلَّه إِن ذكر الْمَوْت إِنَّمَا يذكرهُ متمنيا لَهُ ليريحه من ذَلِك الْعَذَاب العاجل الَّذِي عذب بِهِ وَذَلِكَ الْبلَاء النَّازِل الَّذِي نزل عَلَيْهِ قد شغله مَا لَقِي فِي الْحَال عَن النّظر فِي الْمَآل وَعَن التزود من صَالح الْأَعْمَال فَلَا هُوَ من أَبنَاء الدُّنْيَا المنعمين وَلَا من طلابها المدركين ولامع الصابرين الراضين الحامدين الشَّاكِرِينَ وَلَا يزَال كل وَاحِد من هَؤُلَاءِ على حَاله مواظبا وَلما هُوَ فِيهِ ملازما حَتَّى يَمُوت على مَا هُوَ عَلَيْهِ ثمَّ يبْقى فِي البرزخ على مَا كَانَ عَلَيْهِ ثمَّ يبْعَث على مَا بَقِي عَلَيْهِ فِي البرزخ أَو تتغمده الرَّحْمَة وتغشاه الْمِنَّة فيستنقذه ربه تَعَالَى من هَذِه الغمرات وَيَأْخُذ بِيَدِهِ من هَذِه الهلكات وَيجْعَل لَهُ نورا
1 / 100