A propósito... escucha y serás escuchado
عن عمد … اسمع تسمع
Géneros
فهل استطعت؟ هل أيكم استطاع؟
ها أنا ذا جالس إلى مكتبي في يوم عمري ما خططت فيه حرفا في حياتي، ذلك العيد الميلاد الذي لا يأتي في العمر إلا مرة واحدة، وليته يأتي ليقسمها إنما هو يأتي ساخرا في العادة مخرجا لك لسانه، مبتعثا فيك أشد الشك في كل ما فعلت وحققت، وفي نفس اللحظة، وكأنما ليغيظك أكثر، مبتعثا في نفسك أيضا كل ما تتوهم أنه كان معجزات، وحققت، ولكنه على الحالين ساخر، وإمعانا في سخريته مشفق ...
ولكن، ها أنا ذا، ولأول مرة، لا أجلس أمامه كالمذنب الذي يتلقى التأنيب أو يحاول الدفاع، ها أنا ذا جالس وقد عرفت - واليوم فقط - سر اللعبة؛ لعبة الأيام. إننا أبدا لا نحياها مراحل تنتهي لنقلب صفحاتها تماما ولا نعود نرجع إليها، ولكن نحياها، كل المراحل معا، فلا خلاص لنا من متاعب المسئولية، إلا أن نحظى بوقت من اليوم نحياه أطفالا غير مسئولين، ولا خلاص لنا من الخمسين إلا بأن نحيا معه جنبا إلى جنب العشرين والعشرة والثلاثين، ولا خلاص لنا من رعب النظر في زمننا الخاص كل عام مرة إلا بأن نتعود النظر إليه يوما بيوم بل وحتى ساعة بساعة لنسرق نحن من زمننا زمنه، نسرق خوفنا منه، نحيل أرقامه إلى الصفر، إلى ما لا نهاية.
وهكذا أحس اليوم وقد قضيت الصباح ألعب مع ابنتي (4 سنوات) أني زاولت فيها طفولة تساوي طفولة عام من أسعد الأعوام. وهكذا أحس، وأنا أكتب لكم هذا أيضا، طفلا في الخمسين، لا يخوفه الزمن ولا الرقم ، لا يخوفه حتى كل ما ضاع وفات؛ إذ ما ضاع شيء وفات إلا أوجد مكانه شيئا يستحق أن يبقى، ولا يخيفه ما هو آت، مهما كان ما هو آت فهاته هات؛ إذ هل سيكون أشد سوءا أو أكثر روعة مما جاء وفات. وإذا كبرتنا أيها الزمن، فسنصغر لك، وإذا صغرتنا سنكبر عليك؛ فقد ساهيناك ووصلنا زمننا الخاص بالزمن العام.
وحرمتنا متع الصبا والشباب والطفولة، وستحرمنا - أنا متأكد - متع الشيخوخة، فسنخرج لك نحن لساننا ونعيشها كلها معا، وإذا خذلنا الحاضر سنضمهم معا جميعا الماضي والحاضر والمستقبل وبهم نواجهك ونوجد ...
اصنع ما شئت بسنينك؛ فالسن لا تزال عندنا ليس العمر وإنما الهدف، وستظل أهدافنا أقوى من تعدادك، وإلا لما وصل إنسان إلى ما وصل إليه الآن.
وليكن اليوم وقفة مع الخمسين في المائة من العمر والأهداف والإصرار، وقفة بعدها يمكن فعلا أن تبدأ الحياة الحقة.
لماذا لا نزال نكتب؟!
قال لي: بعد إذنك، لمن تكتب ما كتبت؟ وبالأصح: ما فائدة ما تكتب؟ إن القراء ينفعلون قليلا أو كثيرا، هذا صحيح، بعض المسئولين يقرءون كلاما، مجرد كلام. ما أكثر ما تنشر الصحف ونسمع ونرى من كلام وكلام وكلام! صحيح أن كل كلام ليس مثل أي كلام، ولكن مهما كانت الكلمات ومهما بلغ مفعولها، أتعتقد أنها يمكن أن تغير الواقع؟ يمكن أن تحل أزمتي أو أزمتك؟ يمكن أن تجعل النقود تنسال إلى جيبي الخاوي أو تشتري لي الطعام؟ ما فائدة يا سيدي أن تكتب؟ وما فائدة أن تقرأ؟
نظرت إلى محدثي مرة ثانية. موظف، واحد من مئات الآلاف من شعبنا الموظف، خريج جامعة يبدو، ولكن الزمن والوظيفة من الواضح أنهما تكفلا به؛ فأحالاه إلى ذلك الجسد السمين والقميص الكالح والبنطلون الأكلح. نظرت إليه، ولم آخذ كلماته ببساطة أبدا، رحت بعمق شديد أفكر فيما قال. ولم تكن هذه أول مرة أفعل، وإنما خلف وعيي، ودون أن أشعر، وقبل أن أكتب وأنا أكتب وأنا أقرأ ما أكتبه ويكتبه غيري، يلح السؤال، نفس سؤال الموظف القارئ، رحت بعمق أفكر ، والتفكير يقودني إلى السؤال تلو السؤال حتى أصل في النهاية إلى ذلك اللغز: كيف يتغير الواقع؟ ومن الذي يغيره؟ أهي الظروف؟ أهو الإنسان؟ أم بالصدف المحضة ينتقل الكائن من حال إلى حال؟!
Página desconocida