فقد كان بعض نصائحه لمعاوية سديد المرمى قبل هزيمة علي - رضي الله عنه - ولكنه كان متهما في كل نصيحة أدلى بها إلى معاوية بعد تلك الهزيمة، وكان ظاهرا من نصائحه في جملتها أنه أراد أن يثير عليه العداوات وأن يوغر عليه صدور الصحابة ويتركه مشغولا بخوف الفتنة أو واقعا في أوهاقها، وهو إذن أقرب قريب من الخلافة متى زال معاوية عنها، ولا سيما إذا طال عهده بولاية مصر وجمع في يديه الأموال ومن حوله من الأنصار والطامعين في النوال.
فمن نصائحه التي لا يندفع مثله فيها لدافع العنجهية الجاهلية وحدها، أنه حضر مجلس معاوية وحاجبه يستأذن لوفود الأنصار، فقال: ما هذا اللقب يا أمير المؤمنين؟ اردد القوم إلى أنسابهم! ثم قال للحاجب: اخرج فقل من كان ههنا من ولد عمرو بن عامر فليدخل، فدخل ولد عمرو بن عامر كلهم إلا الأنصار، فنظر معاوية إلى عمرو نظرة منكرة وقال له: باعدت جدا؟ فقال: اخرج فقل من كان ههنا من الأوس والخزرج فليدخل، فخرج فقالها فدخلوا يقدمهم النعمان بن بشير الأنصاري وهو يقول:
يا سعد لا تجب الدعاء فما لنا
نسب نجيب به سوى الأنصار
إن الذين ثووا ببدر منكم
يوم القليب هم وقود النار
فجعل معاوية يقول: لقد كنا أغنياء عن هذا.
وأشار على معاوية بقتال أسرى صفين من جماعة علي، وقد أطلق علي أسراه من جماعة معاوية، وهي مشورة لا تنفع معاوية بشيء، وتجلب عليه العار لا محالة وتنصبه غرضا لكل مطالب بترة، في أمة لا تنسى بينها الترات!
وعلى ما في طبع عمرو من الحيلة والجنوح إلى المصالحة واستلال الأضغان، لم يكن يصدر عن هذا الطبع في مشورته على صاحبه بعد وقعة صفين، فلما شاوره معاوية في أمر عبد الله بن هاشم، أشار عليه بقتله وغضب حين خالفه معاوية، فقال بعد ذلك من أبيات:
أليس أبوه يا معاوية الذي
Página desconocida