وقد اختار مرقس وطنه إفريقية الشمالية للتبشير فيه، بعد أن صاحب بولس الرسول، ثم صاحب بطرس بعد مقتل بولس.
وقدم من طريق الصحراء الغربية إلى الصعيد ومنه إلى مصر العتيقة، حيث كتب إنجيله باللغة اليونانية الشعبية؛ لأنها كانت أقرب اللغات إلى فهم الخاصة والعامة من اليهود واليونان وأبناء البلاد المصرية، ثم أنشأ بالإسكندرية مدرسة لاهوتية، وجعل يتردد بينها وبين وطنه الأول بالقيروان، وينيب عنه أستاذها يستاس في أثناء غيابه، إلى أن توفي سنة ثمان وستين للميلاد، ودفن بالإسكندرية، وظل مدة مدفونا بها إلى أن سرقه أناس من البحارة البندقيين في القرن التاسع للميلاد.
وليس في كتابات الفيلسوف المسيحي أوريجين، ولا في كتابات كلمنت الإسكندري إشارة إلى مرقس الرسول، وقد عاش أوريجين بين أواخر القرن الثاني وأوائل القرن الثالث، ولكن يوسبيوس الذي عاش في القرن الرابع يروي خبر إنشاء الكنيسة، ويؤخذ من خطابات كلوديوس إلى الإسكندريين أن طائفة من اليهود الذين دانوا بالمسيحية، وشجر الخلاف بينهم وبين أبناء ملتهم، كانوا يقيمون بالإسكندرية في القرن الأول للميلاد، ويترددون بينها وبين رومة وفلسطين.
ومهما يكن من الرأي في السجلات التاريخية، فليس من الجائز عقلا أن يكون الدعاة المسيحيون قد غفلوا عن الإسكندرية منذ القرن الأول، وهي أكبر معاهد الثقافة والبحوث الدينية يومئذ في عالم الحضارة، وقد ثبت أن أقدم الأساقفة الذين لقبوا بلقب «البابا» كانوا في كنيسة الإسكندرية، واعترف لهم بهذا اللقب أعضاء مجمع نيقية الذي انعقد في منتصف القرن الرابع للميلاد.
وقد كانت السمة الغالبة على المفكرين الدينيين منذ القرن الثاني قبل الميلاد إلى القرن الثاني بعد الميلاد، شيوع التفرقة بين العقل والهيولي أو بين الروح والجسد في جميع المذاهب التي ظهرت بين أرجاء الدولة الرومانية، ومحور هذه المذاهب عامة لا يخرج من نطاق مدينة الإسكندرية.
فقبل الميلاد كانت تقيم في أطراف الصحراء على مقربة من الإسكندرية طائفة من المتنسكين المتنطسين، يتعبدون بالتأمل وترك الملذات الجسدية، ويعرفون بين الناس باسم المتطببين
Therapeutae ، ومنهم على الأرجح طائفة الآسين أو الأسينيين، وهي كلمة بالآرامية تفيد معنى الأساة؛ أي: المتطببين، وأتباعها هم ألد أعداء الدولة الرومانية بين اليهود!
وبعد المسيحية ظهرت طائفة المعرفيين
Gnostics ، وظهر أتباع أفلوطين الفيلسوف، وظهرت طائفة المشبهين
Docetists
Página desconocida