وقالها وهو صادق في مقاله!
غاية ما هنالك أنه رآها بعين العبقرية التي تلمح ما وراء الحجب من بعيد، وأنه فسر الحلم المحقق بوحي الإلهام فأحسن التفسير!
لم يكن هو الذي اخترع عزيمة الإقدام على فتح مصر، فقد كان فتحها في حكم الواقع المفروغ منه منذ سنين.
ولكنه كان هو الذي أعلن الوقت المقدور وأصاب الاختيار، واهتدى إلى الأوان.
ولم يخدع نفسه ولا خدع الخليفة، ولا جازف بالفتح الخطير مجازفة الطيش والجهل بالعقبى، ولكنه عند من يجهل الحقائق مجازف هجام! وعند من عرف الحقائق كما عرفناها اليوم حاسب دقيق الحساب، وحالم مطمئن أصدق في حلمه من الخائف اليقظان!
أفكان عمرو إذن يعرف الحقائق كما جلاها لنا التاريخ بعد مئات السنين؟ لا ولا جدال! ...
لم يكن يعرفها مفصلة محصلة كما عرفناها، وذلك فضله الكبير.
ولكنه أحسها جملة، فملأته باليقين الذي يمتلئ به العارف بعد التفصيل والتحصيل.
ففي حياة عمرو بن العاص حدثت في مصر وحول مصر خطوب لن يجهلها مثله، وإن لم يطلع على وصفها المسهب، كما كتبه المؤرخون من أبناء العصور الحديثة.
كان في عنفوان الرجولة يوم أغار الفرس على الروم، ففتحوا ما بين بيت المقدس والإسكندرية في أقل من سنتين.
Página desconocida