73

والهجرة ، مما جعلهم سادة الموقف بعد أن كانوا ضعفاء مقهورين ، وأرباب السلطان والنفوذ بعد أن كانوا محكومين ، وهكذا فقد أخذ الإسلام بعد ذلك يشق طريقه نحو النفوس بهدوء ومن دون أية وسائل قمعية ، بل بروحيته السمحاء المستمدة من السماء ، فرأيناه في زمان قصير يطبق أرجاء المعمورة أو يكاد ، فيدخل بلادا لم يطأها فاتح ولم تغزها قوة ، بل أخذ أهلها أو بعضهم هذا الدين الجديد من أولئك المسلمين الذين كانوا يرتادون بلادهم للسياحة أو التجارة ، فيشاهدون الإسلام عقيدة ونظاما تجسدا في سلوك أولئك الزوار ، في أخلاقهم وعباداتهم ومعاملاتهم.

لقد أرسى النبي الأعظم (ص) قواعد الرسالة الشريفة وأحكم دعائمها ووطد أركانها ، وأعاد للإنسانية شرفها وكيانها بعد أن كانت ضحية أهواء الجبابرة وأرباب السلطان من شذاذ الآفاق الذين لا هم لهم إلا إشباع رغباتهم وشهواتهم على حساب الضعفاء من عامة الناس.

وحينما لحق النبي (ص) بالرفيق الأعلى خيل للمنافقين والملحدين أن الإسلام سينتهي بانتهاء حياة محمد ، لذلك قاموا بحملات معادية مركزة استهدفت ضرب المسلمين وتشتيت وحدتهم ومن ثم القضاء على الرسالة الإسلامية المباركة ، غير أن إرادة الله سبحانه حالت دون ذلك ، فلقد تنبه أقطاب المسلمين من الصحابة لما يجري من حولهم من ممارسات فازدادوا تماسكا وتوحدا ، وبذلك استطاعوا تفويت الفرصة على أعدائهم.

ويمكن حصر تلك الحملات في جبهات ثلاثة ، وهي :

1 إثارة العصبيات.

2 تحرك دعاة الردة.

3 تحرك بقايا فلول الشرك.

** « إثارة العصبيات »

لقد شن الإسلام حربا شاملة ضد العصبيات بشكل عام ، وكافح دعاتها وطاردهم باعتبارها تشكل مصدرا واسعا للفتنة ، فالعصبية قبلية كانت أو

Página 74