[الاخلاص]
قال الوافد: صف لي الإخلاص ؟
قال العالم: إن مثل نور الإخلاص مثل نور الشمس، لو غطى نور الشمس أدنى الغيم والغبار، تكدر من ضوئها على مقدار ذلك الغبار، وإن كانت عين الشمس في ذاتها صحيحة، ذلك مثل الصفا والإخلاص. وكذلك كل عمل يكون أصله لله خآصة فهو له خالص، ثم ربما شابه شيء من الدنس والكدر، فأحبط عليه عمله.
فالآفات التي تحبط العمل سبع:
أولهن: الكبر.
والثاني: الحسد.
والثالث: الحرص.
والرابع: الرياء.
والخامس: العجب.
والسادس: الشهوة.
والسابع: البخل.
فما دخل على المؤمن من هؤلاء فقد نقص عمله وإيمانه. ومثل ذلك مثل الثوب الجديد الأبيض، يصيبه شيء من الدنس والغبار، فيذهب من نوره وصفآئه وبهآئه بقدر ذلك الغبار والدنس، وإن كان الثوب في الأصل جديدا لا عيب فيه. كذلك مثل الإنسان في صلاته يكون في طهارته محكما، ( وفي ركوعه وسجوده محكما، فظاهره طاهر، وباطنه محشو من الآفات والتخاليط، فمن خلط فقد اغتر واستعبده الهوى، وزين له شيطانه، وخيلت إليه نفسه الكذب صدقا، والباطل حقا )، ولم يستحق اسم الإخلاص، ولو أن مؤمنا بلغ من كرامته عند الله أن يطير في الهوى، لم يزده ذلك إلا شدة وخوفا واجتهادا، وما ازداد إلا خشية، ولا ازداد إلا عبادة وهيبة، وما جعل الله للخالص إلى الرخصة سبيلا، فمن كان لله أعرف، فهو له أخوف، فينبغي لمن أراد الإخلاص في عمله، ألا تسكن روعته، ويكون خائفا وجلا حزينا، وهذا إذا كان الخوف والحزن وافقهما القبول من الله عز وجل. لأن الخوف والحزن ينوران الإخلاص ويزينانه، وكل عمل لم يكن يوجل عليه القلب فقد حفت به الآفات من حيث لا يشعر، لأن لأعمال الطاعات، آفات مختلفات، ليس يعرفها كل مطيع، وذلك أن المطيع ربما هاج منه العجب والرياء والفخر والأمان، من غير أن يعلم بها، فلا يغفل المخلص عن ذلك، في ليله ونهاره، وحركته وسكونه، وذلك مما يدخل عليه من تمويه النفس وتلبيس الهوى.
Página 317