[جهاد النفس]
قال الوافد: كيف أصنع بالنفس حتى ترجع عن شر عادتها ؟
قال العالم: لا ترجع النفس عن عادتها أبدا، وليس منها إقلاع ولا رجوع، إلا بالقهر والغلبة والجهد والخوف، وبالعلم والمعرفة والزهد تحبس النفس عن شر عادتها، ولا يدرك ذلك منها إلا بصدق الإرادة، والصبر والمعالجة، وكثرة الخوف والعمل بالصواب، فإذا ظفرت بها حتى تردها إلى طاعة الله ورضاه، ووفقت لذلك فاشكر الله، واعترف له بالطاعة إذ جعل ذلك بتوفيقه لك.
فينبغي لك من بعد ذلك أن تقلع عن الهوى، وتصم أذنه، وتخرج التخاليط والآفات من أماكن مزرعها، وتغلب هواك وتحذر النسيان والغفلة، ووسوسة الشيطان، وسرعة العجلة وتأخير الخير، وتحذر التواني والعجز.
واعلم يقينا أنك لا تظفر بذلك من نفسك إلا بالقهر، وتمنعها من الرغبة والحرص والكبر، والرياء والحسد، والرياسة والبخل، وطول الأمل، والتقلب في طلب الشهوات، ومحبة الدنيا، والتصنع للناس والمحمدة منهم، وترك الغش والخيانة، وخوف الفقر، والطلب لما في أيدي الناس، ولا تنس الموت، واترك الغفلة والشح والسفالة والسفاهة.
فإذا نصرت على ذلك وأنفيته عن نفسك، فاشكر الله كثيرا فقد شكر سعيك، فعند ذلك تصح أعمالك، غير أن النفس لا تصلح حتى تكدها، وتقهرها وتجهدها، لأنها أمارة بالسوء والفحشاء، وبالشر والفتنة والآفات مولعة، وهي خزانة إبليس، منها خرج وإليها يعود، وهي تزين لصاحبها تسعة وتسعين بابا من أبواب الطاعات والخير، لتظفر به في كمال المائة، فكيف يسد السبيل العريض من لا يعرف مجراه ؟! وكيف يعرف ذلك من لا يعرف عدوه ودنياه ؟ وكيف يعرف عدوه ودنياه من لا يختلف إلى العلماء ؟ ولا يخالط الحكماء، ولا يجالس الصالحين.
Página 312