وإذا بليننا على عتبة الباب ترتدي معطفا من أطلس الملاحين، الأبيض الحمضي، وعلى رأسها قبعة مستديرة بيضاء، تميل فوق أذنها اليسرى بصورة داعرة.
فقال الهمجي: «أوه!» كأن أحدا هوى عليه بضربة قوية.
لقد كان نصف جرام كافيا لأن ينسي ليننا مخاوفها واضطرابها، فقالت: «أهلا بك يا جون!» وهي تبتسم، وسارت إلى جواره في الغرفة، وأغلق الباب وتابعها متابعة آلية، وجلست ليننا، ثم كان صمت طويل.
وأخيرا قالت: «يبدو لي أنك لست شديد الغبطة برؤيتي.»
ونظر إليها الهمجي عاتبا وقال: «لست مغتبطا؟» ثم جثا على ركبتيه بغتة أمامها، وتناول يدها وقبلها باحترام، ثم قال هامسا: «غير مغتبط؟ آه لو عرفت ...» ثم جرؤ على النظر إلى وجهها وقال: «يا معشوقتي ليننا.» ثم قال: «يا من بلغت قمة إعجابي، يا أعز ما في الدنيا.» فتبسمت له برقة شديدة الحلاوة، ومالت نحوه وقد انفرجت شفتاها، وقالت: «ما أكملك إن خلقك لا نظير له!» واشتد قربها منه وقالت: «أنت خير مخلوق.» ثم زادت منه قربا، ووثب الهمجي على قدميه، وقال وهو يتكلم بوجه منصرف: «وهذا هو السبب في أن أقوم بفعل شيء أولا ... أعني أن أظهر أني جدير بك، ولست أقصد أني سوف أظل كذلك دائما، ولكن لأظهر على الأقل أني لم أكن غير جدير بك مطلقا، أردت أن أفعل شيئا.»
وبدأت ليننا تقول: «لماذا تظن أنه من الضروري ...» ولكنها لم تتم عبارتها، وكانت في صوتها نغمة تنم عن التهيج، لقد مالت إلى الأمام، واقتربت منه وقد انفرجت شفتاها، فوجدت فجأة أنها لا تميل إلى شيء مطلقا - وقد نهضت على قدميها كالبلهاء - فحق لها أن تغضب فعلا برغم نصف جرام السوما الذي يجري في دمائها.
وكان الهمجي يتمتم بكلام منقطع ويقول: «في مالبي على المرء أن يأتي لها بجلد ليث جبلي - أقصد لو أراد أن يتزوج من فتاة - أو جلد ذئب.»
وقالت ليننا في لهفة: «ليس في إنجلترا أسد.»
فأجاب الهمجي باستياء مفاجئ مشوب بالازدراء قائلا: «ولو كان بها أسد فما أحسب إلا أن الناس يقتلونها بالغاز السام أو بغيره يسقطونه عليها من الطائرات، ولكني لا أفعل ذلك يا ليننا» ولوى كتفيه، وجرؤ على النظر إليها، وقابلتها بنظرة تنم عن عدم الإدراك المشوب بالغضب، فاضطرب واستمر في حديثه، وقد زاد كلامه تفككا، قال: «سأفعل أي شيء تريدين، إنك تعلمين أن من الأعمال ما هو أليم، ولكنه برغم ذلك يسر فاعله، وهذا هو شعوري، أقصد أني أكنس الأرض إن أردت.»
فردت عليه ليننا وهي في حيرة شديدة، قالت: «ولكن لدينا مكانس مفرغة الهواء، فليست بك حاجة إلى ذلك.» - «نعم ليست بي حاجة إلى ذلك، غير أن بعض الأعمال الوضيعة تؤدى بنبل عظيم، وأحب أن أؤدي عملا بنفس نبيلة، فهل تفهمين؟» - «ولكن إذا كانت هناك مكانس مفرغة الهواء ...» - «لست أرمي إلى ذلك.»
Página desconocida