وقد جفت البحيرات القديمة مما أدى إلى تكوين طبقة من التربة البحيرية الطينية التي تستخدم الآن كخامة لعمل الطوب، وقد ترتب على اختلاف طريقة ذوبان حقول الجليد ظهور أشكال أخرى من السطح، فالجليد الذائب داخل الحقول الجليدية لم يكن يجد له تصريفا سريعا مما أدى إلى رسوبات سميكة نسبيا في أشكال متفاوتة من المنحنيات والأقواس، وتظهر هذه الإرسابات الآن في صورة حافات طويلة متعرجة، متوسطة الارتفاع فوق السهول، أما في حالة ذوبان الجليد من حافات الحقول الجليدية فإننا نجد تكوينا أشبه بالأودية، وفي حالة الجليد الذائب تحت الحافة الجليدية نجد المياه الذائبة تنحت رأسيا مما يؤدي إلى ظهور أودية عميقة بعد زوال الجليد، ويترتب على ذلك أن الأودية الناجمة عن الذوبان الهامشي لحقول الجليد لا تتخذ قطاعا طوليا عاديا، بل إن القطاع الطولي يصبح غير منتظم لعدم انتظام الحفر الرأسي لهذه الأودية، ويظهر هذا النوع من الأودية غير المنتظمة في شرقي جتلند.
وبعد انقشاع الجليد تماما وحدوث ارتفاع في مستوى سطح الأرض، فإن تغير منسوب القاعدة للأنهار المختلفة قد أدى إلى ظهور أثر التعرية النهرية، ولقد نشأ عن ذلك أودية نهرية عادية ذات قطاع طولي معتاد، كذلك أخذت التعرية النهرية الجديدة تعمل في إزالة أجزاء من الركامات الجليدية السابقة، وقد غطت الكثبان الرملية - وخاصة في غرب جتلند - الكثير من الركامات الجليدية، وتنمو الكثبان الرملية بسرعة على هذا الساحل نتيجة لانتظام وقوة الرياح الغربية طوال العام، بالإضافة إلى ارتفاع مياه المد إلى قرابة متر ونصف يوميا على الساحل الغربي مما يؤدي إلى تكوين مفتتات كثيرة تأخذها الرياح لتبني بها الكثبان، وتمتد سلسلة الكثبان الرملية - بلا انقطاع تقريبا، لمسافة 300 كيلومتر من سكاجن - في أقصى الشمال الشرقي - إلى سكالنجن - على الساحل الغربي أزبرج، وإلى الجنوب من سكالنجن لا تظهر الكثبان في صورة شريط طويل، بل تبدو متقطعة مما يسمح بظهور الاستقرار السكني وإمكانية قيام الموانئ الصغيرة.
وأشكال السواحل الدنماركية لا مثيل لها في سواحل اسكندنافيا فإن الطبيعة السهلية وضعف مقاومة الصخور للتعرية والانزلاق الطيني البحري إلى البحر - مما يعطي للأمواج قوة أكثر في التعرية، وتكوين حافات جديدة بعد حدوث الانزلاق، كل ذلك يساعد على التآكل وتغير شكل الساحل بسبب نمو الحواجز الرملية التي تقفل الخلجان وتربط الجزر بشبه الجزيرة أو بالجزر الأكبر منها.
كذلك فإن ظاهرة ارتفاع الأرض قد أعطت للساحل الغربي شكلا جديدا مليئا باللاجونات العريضة، ولكن عملية الرفع التي تعرض لها الساحل الغربي شمال أزبرج قد حدث نقيض لها في الساحل جنوبي هذا الميناء، فهبوط الأرض قد أدى إلى إغراق الكثير من الكثبان وبقاء بعضها في صورة جزر صغيرة مواجهة للشاطئ، وهذه الجزر هي الجزء الشمالي من مجموعة جزر فريزيان الشمالية الألمانية، وكذلك يتميز ساحل جتلند الشرقي وسواحل جزر الأرخبيل بأنها سواحل غارقة أدت إلى اقتطاع الأرخبيل عن جتلند.
أما جزيرة بورنهولم فإنها تتميز بسواحل مستقيمة على عكس سواحل الأرخبيل الدنماركي وجتلند، ويرجع ذلك بدون شك إلى التركيب الجيولوجي القديم لصخور هذه الجزيرة، فالصخور شديدة المقاومة للتعرية الساحلية مما يعطي هذا الشكل من السواحل المستقيمة القليلة التعاريج.
أما المناخ الدنماركي فيعكس اختلاطا بين المناخ القاري والبحري، وبذلك تصبح الدنمارك من وجهة النظر المناخية أكثر قارية من النرويج وأكثر بحرية من السويد وفنلندا، فسواحل الدنمارك لا تقع على مسار كتل المياه الدافئة - تيار الخليج - الذي تقع عليه الجزر البريطانية ومعظم سواحل النرويج، ومن ثم فإن المدى الحراري السنوي أكبر من بريطانيا والنرويج، والمطر أقل منهما، وبذلك فإن مناخ الدنمارك يتشابه مع مناخ اسكتلندا في درجات عرض أكثر تطرفا نحو الشمال، وكذلك فإن تعاقب الفصول سريع فالربيع والخريف يمثلان فصلين قصيرين بالقياس إلى الشتاء والصيف.
ونظرا لوقوع معظم الأرخبيل على واجهة البلطيق، فإن تأثره بالمناخ البحري محدود؛ لأن البلطيق مسطح بحري محدود المساحة ويقع كبحيرة مغلقة وسط مسطح قاري كبير، مما يؤدي إلى تجمد أجزائه الشمالية الشرقية، وبذلك يصبح دوره كعامل ملطف للتغيرات المناخية دورا محدودا.
ويترتب على ذلك أن التغير المناخي في الدنمارك يرتبط بنوعين من المؤثرات: غربية وشرقية، فالمؤثرات الغربية تجلب الرطوبة بينما المؤثرات الشرقية جافة على وجه العموم، لكن يعوض ذلك أن الدنمارك في مجموعها ذات طبيعة سهلية فلا تظهر عقبات تحول بين نفاذ المؤثرات الغربية أو الشرقية بحيث تغطي كل الدنمارك، بالإضافة إلى ذلك فإن المساحة محدودة، حتى كتلة الأرض الأساسية - جتلند - ليست سوى شبه جزيرة ضيقة تمتد من الشمال إلى الجنوب، بحيث لا يسمح عرضها بوجود مانع يفصل المؤثرات الغربية عن بقية الجزر الدنماركية، ولهذا كله فإن التغاير المناخي في أجزاء الدولة هو تغاير محدود، ويتحدد فصل النمو الزراعي بمدى حدوث الصقيع، والحكم الغالب أن الصقيع يحدث في الفترة الممتدة من سبتمبر/أيلول إلى مايو/أيار في داخلية البلاد بعيدا عن السواحل، ويتراوح الفصل الخالي من الصقيع بين 150 يوما و225 يوما، وذلك حسب الموقع.
وتسقط الأمطار نتيجة للأعاصير خلال معظم السنة، بالإضافة إلى أمطار تصاعدية تهطل في الصيف مما يؤدي إلى أن قمة المطر الساقط تحدث في أغسطس/آب، وكمية المطر الساقطة تتناقص على طول محورين: إلى الشرق وإلى الشمال، وبذلك فإن جنوب جتلند هو أكثر مناطق الدنمارك مطرا، ولكن هناك أيضا تغير محلي في كمية المطر نتيجة للظروف المحلية وأشكال التضاريس في المواقع المختلفة، وتمثل مناطق التربة الرملية المطيرة أحسن مناطق الدنمارك لنمو المحاصيل، وعدد أيام المطر في حدود 150-170 يوما، والضباب - وخاصة في الشتاء - يكون مشكلة بالنسبة للسفن الصغيرة والكبيرة، فإن الساحل المنخفض مع الضباب يجعل رؤية أضواء الفنارات محدودة المدى، وبالتالي تصبح هناك احتمالات كثيرة لأن تصطدم بالساحل، ولهذا فإن القصص والأساطير الدنماركية مليئة بحكايات السفن المتحطمة، وخاصة بالنسبة للشاطئ الغربي لجتلند، وكذلك تتعرض الزراعة والمحاصيل لتأثير الضباب المملح والرذاذ المملح على طول المنطقة الغربية لجتلند، بمساحة يبلغ عرضها حوالي 50 كيلومترا من الساحل الغربي، ويؤدي ذلك الملح إلى عطب وفساد المحصول أحيانا، وفي مقابل ذلك تتعرض السواحل الشرقية لرياح باردة جافة، تعرف باسم سكاي
Skai
Página desconocida