El mundo de Alejandro Magno
عالم الإسكندر الأكبر
Géneros
ثم راح الإسكندر يطارد داريوس، سائرا شمالا صوب ميديا. وبينما كان يؤكد السيطرة المقدونية على ميديا، وصلت إليه أنباء مرور داريوس عبر بوابات قزوين في طريقه إلى الأقاليم الشرقية بالإمبراطورية الفارسية. وعندما وصل المقدونيون إلى جنوب منطقة قزوين، اكتشفوا مقتل الملك السابق داريوس على أيدي رفاق سفره. واصل الإسكندر طريقه شرقا في صيف سنة 330 سعيا وراء المطالبين الجدد بالملك، ولفتح ما تبقى من أرض الإمبراطورية على ما يبدو.
تبين أن الهدف الأول أصعب من الثاني؛ فبينما شق الجيش المقدوني طريقه عبر المرزبات الشرقية في عامي 330 و329، عرض كثير من المرازبة استسلامهم بينما واصل آخرون القتال. ولم يتحقق إعدام بيسوس، وهو أول من أعلن خليفة لداريوس على عرش البلاد، إلا سنة 328؛ فواصل الوريث المعلن الثاني، وهو سبيتامينيس، حشد القوات ومحاربة المقدونيين لمدة نصف سنة أخرى أو نحو ذلك. وواصل الإسكندر وقواته تهدئة الأوضاع واستتبابها في سوقديانا وباخترا لسنة أخرى، وتحديدا حتى صيف سنة 327.
هذه السنوات الثلاث جديرة بالملاحظة لأسباب هي أكثر من مجرد توسيع السيطرة المقدونية والقضاء على المطالبين بعرش فارس بخلاف الإسكندر نفسه. وأخيرا اتخذ قرار الزواج، فوقع اختياره على رخسانة ابنة وخش آراد، أحد أعيان سوقديانا، لتكون زوجته الأولى. كانت رخسانة - بجانب زوجة وخش آراد وابنتين أخريين له - قد وقعت في الأسر في حصار ناجح، ومع أن قرار الزواج بها كان من ثمرته كسب دعم أبيها، يقال أيضا إنها كانت ثاني أجمل امرأة في آسيا كلها، ولم تفقها جمالا إلا زوجة داريوس الثالث، وإن الإسكندر وقع في غرامها من أول نظرة.
ثمة نتيجة أخرى أقل سرورا بكثير لكن تتساوى في الأهمية، وهي أن المقدونيين بدءوا يعبرون عن عدائهم لملكهم، على المستوى الفردي وربما في صورة مؤامرات على حد سواء؛ فتورط بارمنيون، أحد كبار ضباط الإسكندر والشخص الذي اختاره فيليب لقيادة القوة المتقدمة التي زحفت إلى آسيا الصغرى سنة 337، في مؤامرة شهيرة حاكها ابنه فيلوتاس، وهو الآخر شخصية مهمة في حاشية الإسكندر. ولدى علم الإسكندر بالمؤامرة المحاكة ضده، أمر باستدعاء فيلوتاس أمام جمعية الجيش، فدافع فيلوتاس عن نفسه في مواجهة اتهامه بالتورط، لكن ثبت أنه مذنب لعدم مبادرته إلى إبلاغ الإسكندر بالمؤامرة على الرغم من الاتصال اليومي بينهما. قتل فيلوتاس والمتآمرون الآخرون برماح رماها مقدونيون، وابتعث آخر من أصحاب الإسكندر بأوامر إلى القادة الذين تركوا في ميديا بقتل بارمنيون أبي فيلوتاس على أساس أنه كان ضالعا في المؤامرة، ولو لم يكن ضالعا فيها فعلى أساس أنه كان عنصر استقطاب محتمل للغضب ضد الملك لما يتمتع به هو وأسرته من احترام كبير لدى الجنود المقدونيين والمرتزقة.
وفي السنة التالية، قتل كلايتوس الأسود - الذي تذكر المصادر التي وصلت إلينا أنه أنقذ حياة الإسكندر في معركة نهر جرانيكوس - أثناء ندوة شهدت إسرافا في الشراب؛ فبينما كان أصحاب الإسكندر يتملقونه، ذكر كلايتوس الصحبة بأهمية العون الذي قدمه المقدونيون الآخرون، فنشبت مجادلة صاخبة انتهت بتناول الإسكندر رمحا أو حربة من أحد الحراس، وقتله الرجل الذي حماه أثناء معركة جرانيكوس. شهدت السنة ذاتها مؤامرة أخرى مزعومة، وأثارها هذه المرة عدد من غلمان الإسكندر الصغار، وضلع فيها مؤرخ الحملة الرسمي كاليسثينيس، وكان قد فقد حظوته لدى الإسكندر لسببين: أولهما اقتراحه ضرورة التخفيف من التسبيح بحمد الملك، وثانيهما رفضه السجود للإسكندر الذي استحدثه على الطريقة الفارسية. أسفرت المؤامرة المزعومة عن موت كاليسثينيس رجما أو شنقا أو بسبب إنهاكه نتيجة جرجرته في أغلاله بصحبة الجيش الزاحف.
بعد أن حل الإسكندر - على المدى القصير على الأقل - القضايا المقدونية الداخلية وحقق السيطرة الاسمية على معظم المنطقة الشرقية من الإمبراطورية الفارسية، استعد لمواصلة الزحف شرقا في الهند. أقيمت مستوطنات جديدة بكثرة في المرزبات الشرقية للإمبراطورية الفارسية التي كان معظمها قد أخضع آنذاك، وأقيم العديد من المدن الجديدة التي حملت اسم الإسكندرية (في فرادا، وهيرات، وقندهار، وغزني، وميرف، وترمذ، وعلى جبال هندوكوش وعلى نهر سيحون)، وأعيد تأسيس مدينة باخترا باسم الإسكندرية. بالإضافة إلى ذلك، أنشئت حاميات في خوجند وفي المنطقة الواقعة بين خوجند والحد الشمالي للحملة عند نهر سيحون.
وفي ظل وجود خط للمواصلات، شقت قوة قوامها نحو 35 ألف رجل طريقها عبر جبال هندوكوش إلى وادي نهر السند في صيف 327. ثم فتحت الهزيمة التي وقعت بجيش الملك الهندي بوروس سنة 326 عند نهر هايداسبيس طريقا إلى شبه القارة الشاسعة؛ فسار الجيش المقدوني شرقا حتى بلغ نهر بياس (أقصى نقطة شرقا في شبكة الأنهار الكبيرة)، وعندئذ ظهر على السطح رد فعل مقدوني آخر؛ إذ رفض رجال الإسكندر مواصلة الزحف (تقدر عملية حسابية أجراها الكونت يورك فون فارتنبورغ أن المقدونيين كانوا قد قطعوا 12 ألف ميل أو أكثر من 19 ألف كيلومتر في ثماني سنوات ونصف سنة)، فاضطر إلى موافقتهم والعودة إلى الغرب. عادت القوة أدراجها غربا إلى نهر هايداسبيس الذي كان يجري بناء أسطول فيه، ثم شقت طريقها جنوبا برا وبحرا حتى وصلت إلى دلتا نهر السند في صيف 325. وضع الإسكندر الأسس لإدارة الأقاليم المستولى عليها حديثا، ثم نظم عملية العودة، فواصل جزء من القوة سيره بحرا بهدف استكشاف الطريق من مصب نهر السند إلى مصبي نهري دجلة والفرات في الخليج الفارسي، على أن يواصل جزء من القوة البرية مسيره متخذا طريقا شمال صحراء جيدروسيا، وأما الإسكندر فسار على رأس بقية الجيش عبر الصحراء ذاتها مباشرة. شهدت المجموعات الثلاث صعوبات بالغة، لكن من كتبت لهم النجاة من الجيشين التأموا مجددا غرب الصحراء الكبرى، والتقى الأسطول الإسكندر داخل مضيق هرمز بالضبط، فواصل الأسطول إبحاره شمالا، وأما الجيش فسار نحو باسارجاد التي بلغها مطلع 324. وفي ربيع ذلك العام، توجه الإسكندر إلى العاصمة الفارسية شوشان، وفي الربيع التالي إلى بابل.
كان الإسكندر، خلال آخر سنة ونصف سنة من حياته، أكثر انشغالا بنتائج حملته الناجحة منه بتجريد حملات أخرى، وإن كانت ثمة مصادر تروي أنه كان يخطط لحملات جديدة كالإبحار حول شبه الجزيرة العربية. أسس الإسكندر أيضا المزيد من المستوطنات. كان شاغله الأكبر محاربيه القدامى والرجال الذين أسند إليهم مهمة العمل على استتباب الأوضاع والحكم، وكان بعضهم غير كفء للمهمة أو غير مخلص للملك أو الاثنين معا. وأثناء الإقامة في شوشان، توجت العلاقات الغرامية التي جمعت كثيرين من جنوده بنساء آسيويات (يذكر آريانوس أنهم كانوا أكثر من 10 آلاف) بالزواج، وكان الإسكندر نفسه يقدم هدايا الزفاف. وقدم أيضا شكلا آخر من الهدايا بسداده ديون الجيش التي بلغ مجموعها 20 ألف وزنة. تزوج الإسكندر أيضا وأصحابه المقربون بنات عائلات فارسية كبيرة؛ إذ تزوج الإسكندر نفسه ابنة داريوس الكبرى، والابنة الصغرى لنبيل فارسي من فرع آخر من فروع الأسرة المالكة الفارسية. ويذكر آريانوس زيجات هفايستيون وكراتيروس وبيرديكاس وبطليموس ويومينس ونيارخوس وسلوقس، ويفيد بعقد نحو 80 زيجة مماثلة بين أصحاب آخرين وبنات نبلاء الفرس والميديين.
لكن شوشان شهدت التئاما آخر بوصول 30 ألف شاب آسيوي بعد تدريبهم على الطريقة المقدونية؛ إذ أسفرت تداعيات هذا الوصول عن مزيد من التمرد في صفوف جيشه المقدوني، عندما أعلن الإسكندر أنه بصدد تسريح عدد كبير من محاربيه القدامى وإعادتهم إلى مقدونيا. استقبل كثيرون من المقرر تسريحهم هذا الإعلان بغضب ساخر، مطالبين إياه بتسريح جميع المقدونيين ومواصلة الحرب بمساعدة أبيه «الحقيقي» الإله آمون. ولم يكونوا أيضا راضين كل الرضا عن صحبه الآسيويين الجدد. كان أول رد للإسكندر أن أمر باعتقال رءوس التحريض وقتلهم، ثم ألقى خطابا غاضبا وبخ فيه البقية، واختتمه بكلمة «انصرفوا!» وذهب عنهم. أبدى قدامى المحاربين ندمهم واسترحموا مليكهم، فصولحوا بمأدبة ضخمة، وبعدها كان نحو 10 آلاف محارب قديم متأهبين للعودة إلى مملكة مقدونيا تحت قيادة أحد كبار قواد الإسكندر، وهو كراتيروس.
كان تدبير إدارة الإمبراطورية التي ظفر بها الإسكندر حاجة أخرى ملحة؛ إذ كان كثيرون ممن تركهم وراءه في مواقع السلطة يعتقدون على ما يبدو أنه لن ينجو من حملته الشرقية، فحوسب عدد منهم وعوقبوا واستبدلوا. لم يكن الأفراد وحدهم بحاجة إلى ترتيب، بل كانت أقاليم بأكملها خارج نطاق الإمبراطورية الفارسية السابقة تحتاج إلى ترتيب أوضاعها، وخصوصا اليونان؛ ففي أواخر ثلاثينيات القرن الرابع، جمع الملك الإسبرطي أجيس بين هدف استعادة قوة إسبرطة وهدف ثان هو القضاء على السيطرة المقدونية على اليونان، ولتحقيق هاتين الغايتين، نجح في حشد جيش من المشاة قوامه 20 ألف رجل، بالإضافة إلى 10 سفن وأموال من بلاد فارس. وكان في أثينا جندي محترف يشغل منصب القائد العسكري منهمكا في حشد ائتلاف ضد المقدونيين سنة 324. وعلى مبعدة أكبر من ذلك، يروى أن وفودا من شعوب منطقة البحر المتوسط والشعوب الأوروبية جدت في التماس هذا الفاتح الشاب المذهل.
Página desconocida