El mundo de Alejandro Magno
عالم الإسكندر الأكبر
Géneros
كانت في صميم هذا الهيكل المؤلف من القيادة العسكرية وأواصر الولاء مع العائلات المهمة ملامح أخرى من ملامح السلطة الملكية، وأحدها المسئولية عن العلاقات مع الآلهة. يصعب تأكيد هوية الآلهة المقدونية وخصوصا في فترة ما قبل حكم أرخيلاوس (413-399)؛ فمن ناحية، كانت الصلة بين الأرغيين والآلهة سلسلة نسب طويلة؛ إذ كان الأرغيون يدعون أن هرقل، وهو من نسل زيوس، جدهم لأبيهم. ومن خلال العائلة الأياكيدية التي تنتمي إليها أم الإسكندر أوليمبياس، كان نسبه ينتهي إلى آخيل، الذي كانت أمه حورية البحر ثيتس. لكن ثمة ما يسوغ اعتقادنا أن ملل الأوليمبيين ازدادت أهمية في المملكة في ظل الأغرقة التي اتبعها أرخيلاوس، الذي استحدث مهرجانا لزيوس وألعابا على شرف زيوس وربات الفنون (آريانوس، الكتاب الأول، 11، 1). كان المقدونيون يدمغون نقودهم بصور أبولو وزيوس وديونيسيوس وهرقل، ولنا أن نستنتج أن ديونيسيوس كان مألوفا لدى المقدونيين بما أن الكاتب التراجيدي يوربيديس ألف مأساته «الباخوسيات» وهو في بيلا. بحلول سنة 336، كان آخر احتفال يقام في عهد فيليب يشتمل على تماثيل 12 إلها (الأولمبيين الاثني عشر لا شك) وتمثال ثالث عشر لفيليب (ديودورس، الكتاب السادس عشر، 92، 5). وكان الإسكندر يحرص على تقديم القرابين بانتظام إلى الأولمبيين مثلما كان يحرص على تقديمها إلى أثينا في إليوم (آريانوس، الكتاب الأول، 11، 7). وتبرهن المعابد المكرسة للآلهة التي عبدت في العالم الإغريقي أيضا على العلاقات بين الممارسات الدينية في الثقافتين.
لكن توجد آثار ممارسات أخرى ترتبط بجوانب جوهرية للملك؛ إذ كان الملك يطهر الجيش بتقديم قربان على هيئة كلب، وكان يقود موكب الجنود وهم يسيرون بين شطري هذه الأضحية. علاوة على ذلك، ظلت ملل الأبطال من الطراز العتيق أمثال من وصفهم هوميروس جزءا من الممارسة المقدونية؛ إذ استحدث الإسكندر لتمجيد صاحبه هفايستيون طقوسا تليق بالأبطال (آريانوس، الكتاب السابع، 23، 6-7)، وكان يسعى جاهدا للتفوق على إنجازات الأبطال المعروفين كهرقل. ودفن جده الإسكندر الأول في ضريح للأبطال (هيرون) في آيجي، وهي لا شك ممارسة ارتبطت باليونان العتيقة، لكنها كانت إلى حد كبير قد أبطلت بحلول القرنين الخامس والرابع.
خلاصة القول أنه كانت هناك على الراجح عناصر عديدة في مفهوم الآلهة عند المقدونيين. ومع ذلك فأيا ما كانت الهيئة الإلهية التي يتوسل إليها، فلا ريب في أهمية دور الملك في هذا التوسل. وفي الاحتفال الكبير الذي خطط له فيليب وسبق أن ذكرناه مثال واضح على محورية الحاكم الأرغي في مناحي الدين. ويظهر ما كتبه آريانوس عن نهاية حياة الإسكندر اضطرار الإسكندر إلى تقديم أضحيات لائقة حتى وهو يحتضر:
في اليوم التالي اغتسل وقدم القرابين ... وفي اليوم الذي تلاه اغتسل من جديد وقدم قرابين لائقة على الرغم من الحمى الشديدة التي ألمت به. واغتسل في المساء، وبعد اغتساله كان في أشد حالات المرض. وفي اليوم التالي حمل إلى الحمام، ومن جديد قدم قرابين لائقة. لكن في اليوم التالي حملوه إلى البقعة المقدسة فلم يقو على تقديم القرابين إلا بمشقة بالغة. (الكتاب السابع، 25، 4-5)
كان الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع الآلهة مسألة تهم أشخاصا أكثر من الملك؛ إذ كان هناك طاقم من العرافين يشكل جزءا من جهاز الحكم في بيلا أثناء حكم فيليب الثاني، ورافق الإسكندر في حملته واحد على الأقل من هذا الطاقم.
لهذه السمات العديدة التي اتسم بها الملوك الأرغيون جذور عميقة، وكانت هناك سمة أحدث من ذلك برزت مع التطورات في أواخر القرن الخامس والقرن الرابع؛ إذ تمخضت السيطرة المتزايدة على رقعة متسعة من الأراضي وسكانها عن حاجات إدارية. كانت بيلا قد تحولت إلى مركز إداري منذ عهد أرخيلاوس، ونال أرخيلاوس ذاته من الأثينيين منزلة الضيف-الصديق والمعطاء. لم تكن بيلا مقر إقامة الملك الأرغي وآل بيته فحسب، بل كانت آنذاك أيضا مركز دواوين الدولة، فكانت تضم أمانة السر وسجلاتها، ومديري الموارد، ووحدات من قبيل ديوان المعدات الحربية، وأماكن إقامة الرسل. كانت تجبى ضرائب على الأرض واستخدام المرافئ والمناجم، وكانت الأراضي الملكية تدار بتأجيرها لمن يفلحها. على الرغم من عدم وضوح وسائل جمع الضرائب أو الإشراف على استغلال الموارد، إلا أن الأرغيين كانت لديهم يقينا هذه الوسائل، وخصوصا على عهدي فيليب والإسكندر، اللذين احتفظا بجيشين كبيرين وشقا الطرق وأقاما الحصون والقلاع، وبنيا السفن واتخذا حاشية كبيرة من أفراد الأسرة والشباب الذين يجري تدريبهم ليصيروا صحابة وزوار بيلا، فضلا عن الموظفين اللازمين لتلبية حاجاتهم اليومية. (1-2) تبعات النسب الأرغي
كان الانتماء إلى السلالة الأرغية يحمل في طياته مزايا وتوقعات رفيعة، وخصوصا للذكران؛ فالذكر الذي يولد لهذه الأسرة سيدرب في سن الشباب ليبرهن بوضوح على امتلاكه السمات التي تنبغي لزعيم مقدوني، وسيكون لزاما عليه - كحال تيليماخوس بن أوديسيوس - تقوية قدراته العقلية والنفسية لكي يقضي على التهديدات التي تحيق به هو ذاته وبآل بيته، إما بالمكر والحيلة وإما في ساحة القتال. وفي غضون ذلك سيبرهن كملك على قدرته، كحال أوديسيوس، على القيام «بآلاف الأعمال المجيدة، بعقد اجتماعات مفيدة، وقيادة معارك مسلحة» (الإلياذة، 2، 272-273). وحتى في زمن الصبا، سيكون بمقدوره ركوب فرسه بمثل كفاءة أبناء العائلات النخبوية الأخرى إن لم تكن أفضل منها، وسيكون بإمكانه قطع مسافات شاسعة مع جنود أبيه. وعندما يصل إلى سني المراهقة، سيدعى إلى ممارسة تلك المهارات في ساحة القتال؛ إذ استدعي فيليب وهو في هذه السن لمساعدة أخيه الأكبر، وتولى الإسكندر قيادة الخيالة الثقيلة في خيرونية سنة 338 ولم يكن له من العمر إلا 18 سنة.
شكل 3-4: رأس عاجي من زينة حامل التابوت المطعم بالذهب والعاج في الغرفة الرئيسة بالمدفن الملكي الثاني في فيرجينا، ويعتقد أنه رأس أمينتاس الثالث. بإذن من السيدة أوليمبيا أندرونيكو-كاكوليدو.
ولكي يكون هذا الشاب من المنافسين على العرش، أي يكون وريثا محتملا، لا بد من أن يتمتع بالمقدرة البدنية؛ ومن ثم فلا غرو أن التدريب البدني الذي يتلقاه سليل الأسرة الأرغية سيكون شاقا لكي يصنع قائدا على الطراز الهوميري بين الرجال. وكانت ممارسة قتل خنزير بري دون شبكة شيئا من شأن أي وريث للعرش أن يفعله في سن مبكرة من حياته. وسيكون لزاما عليه استيفاء متطلب قتل رجل بسرعة أكبر مما يفعله معظم الآخرين. كان الإعداد للقيادة يستلزم المشاركة في فعاليات حقيقية لا مجرد تدريبات مرتبة. وتبرهن إحدى القصص الشهيرة عن الإسكندر الشاب على قدراته وهو في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من عمره؛ إذ أتي فيليب بحصان على أمل شرائه، فأبى الحصان أن يعتلي أحد صهوته، فأمر فيليب صاحبه بالانصراف به. عندئذ قال الإسكندر: «يا له من حصان هذا الذي سيخسرونه، وكل هذا لأنهم لا يعرفون كيف يسوسونه أو لا يجرءون على المحاولة!» فتساءل فيليب عما إذا كان الإسكندر يرى أنه يستطيع سياسة الحصان خيرا من غيره، فعرض الإسكندر عندئذ أخذ الحصان ودفع ثمنه الكبير؛ فضحك من كانوا بصحبة فيليب:
لكن الإسكندر أسرع إلى الحصان وأمسك بلجامه وأداره نحو الشمس بعد أن لاحظ أنه يجفل من مرأى ظله أمامه يصاحبه أينما تحرك. ركض بجوار الحصان مسافة قصيرة، مهدئا من روعه بالتربيت على جسمه، ولما رآه مفعما بالحيوية والعزم، ألقى رداءه جانبا في هدوء وبوثبة خفيفة امتطى صهوته في أمان. ظل لفترة وجيزة يتلمس الشكيمة باللجام، دون أن يشد على فمه أو يوجعه، حتى أذهب روعه. وأخيرا لما رأى الحصان وقد ذهبت عنه مخاوفه ويتلهف على إظهار سرعته، أرخى له العنان وحثه على الانطلاق قدما، مستخدما صوته الآمر ولمسة من قدمه. (بلوتارخس، الإسكندر، 6)
Página desconocida