En la puerta de Zuwayla
على باب زويلة
Géneros
وانصرف طومان وأصحابه، وتبعه أرقم، ومشى جمال الدين السلموني، وتقي الدين بن محمود يتحدثان ...
قال تقي الدين: ما رأيت كاليوم شبابا وفتوة وجمال خلق، ولا سمعت مثل حديث ذلك الفتى ...
قال السلموني: وي! ها أنا ذا أراك ذات مساء تثني على رجل من الناس يا سباب الأنام ...
فتمتم تقي الدين بكلمات، ولكن كلماته لم تلبث أن غابت في ضحكة عالية أرسلها جمال الدين، فجاوبتها أختها من صاحبه ... وخلا السامر من السمار.
لم يكن علي بن رحاب المغني أميرا من أمراء المماليك يخاف ويتقى. نعم، ولا كان من «أولاد الناس»: تلك الطبقة التي كان آباؤها منذ جيل أو أجيال مماليك من ذوي السلطان، فلا يزالون يعيشون مما خلف لهم آباؤهم من المال والمتاع والضياع، مباهين بأنهم «أولاد الناس»، الذين يحسب الأمراء الحاكمون حسابهم ويتقونهم. نعم، ولا كان علي بن رحاب من المماليك القرانصة، الذين كان لهم يوما دولة وسلطان، ثم دالت دولتهم وذهب سلطانهم بنزول أستاذهم عن العرش، ولكن أنفسهم لا تزال تنازعهم إلى الإمارة، ولا يزالون يدبرون لخلع السلطان القائم عن العرش ليتولاه أمير من «طبقتهم» ينتسبون إليه ويتأمرون في كنفه. ولا كان علي بن رحاب مملوكا من المماليك «الجلبان»، الذين ينتسبون إلى السلطان الجالس على العرش، فلا يزالون يتنافسون في أسباب الزلفى إليه بالدس والخيانة؛ ليرفعهم من طبقة المماليك إلى مرتبة الأمراء ...
لم يكن علي بن رحاب المغني واحدا من هذه الطوائف الجركسية، ولا كان شيخا من شيوخ العربان الثائرين أبدا على المماليك، لا يدخلون تحت طاعة سلطان منهم إلا مطاولة ورياء، حتى تجتمع جموعهم فيعودوا بعد جمام إلى الثورة والعصيان ... ولا كان تاجرا من مياسير التجار المصريين، الذين تفرض عليهم النظم الاقتصادية التي أملتها مطامع السلاطين أن يكونوا أبدا على حذر ورقبة من غدر السلطان، وأن يكون السلطان وأمراؤه على حذر منهم. ولا كان واحدا من فتيان الزعر أو زعمائهم: تلك العصائب الشعبية التي تألفت في الظلام؛ لمقاومة طغيان السلاطين وعسف الأمراء ... ولا كان من تلك الطبقة المصرية الضئيلة من الفقهاء وأهل الكتابة الذين أهلتهم مواهبهم ليتولوا بعض الوظائف السلطانية التي تدنيهم إلى السلطان بمقدار ما تبعد بهم عن أبناء جلدتهم، فلا يزالون مترددين بين العوامل المتناقضة، تتنازعهم ذات اليمين وذات الشمال، ولا يزالون بذلك موضع الريبة عند المصريين وعند المماليك على السواء ...
لم يكن علي بن رحاب واحدا من هذه الطوائف التي تنتظم المصريين وأبناء الجركس جميعا ... فلماذا يخافه الدوادار الكبير، ويرسل عسكره للقبض عليه؟!
لماذا؟!
لأن علي بن رحاب وإن لم يكن من أولئك الجركس الطامعين، ولا من هؤلاء المصريين الثائرين، كان يشعر أنه مصري، وأن مصريته تفرض عليه أن يتتبع الأحداث الجارية في وطنه بين الشعب وأمرائه، وأن يكون له رأي فيما يجري من تلك الأحداث، وأن يتحدث برأيه إلى من يغشى مجلسه من أصحابه أو من غير أصحابه، وكان له لسان وبيان، وله إلى ذلك منزلة في نفوس الناس، وإنه لشاعر وإن كانت شهوته بالموسيقى والغناء، وكان مجلسه يضم من السراة والعلية طائفة من المصريين، لو اجتمعت على رأي لتزلزلت قوائم عرش السلطان، من أجل ذلك غضب عليه الدوادار الكبير طومان باي، وأجمع نيته على الانتقام منه، فكيف يجرؤ مصري على التحدث في شأن من شئون الحكومة القائمة؟ وكيف تأذن له هذه الحكومة بهذا التدخل فيما لا يعنيه؟ ومن هو؟ مصري من ذلك الشعب يقحم نفسه على الوزراء والأمراء وأصحاب الشأن من الجركس! ويا لها جريمة!
ولم تنفعه شفاعة صديقه الأمير طومان، ولا دعوات شيخه أبي السعود الجارحي، ولا منزلته في الفن عند المصريين والمماليك على السواء ... لم ينفعه ذلك ولم يشفع له، فما هي إلا أيام حتى وجد الدوادار الكبير الفرصة السانحة، ولم يكن مع علي بن رحاب أحد يحميه، فانقض عليه جند السلطان وذهبوا به ... وشهدت القاهرة كلها نكبة علي بن رحاب الشاعر الملحن المغني الموسيقار، الفنان الذي لم تشهد مصر مثله من قبله، وهيهات أن تشهد مصر مثله من بعده؛ كل ذلك لأنه «تدخل فيما لا يعنيه»، وجرى على لسانه في بعض مجالسه حديث عن بعض أمراء السلطان الذي يحكم ...
Página desconocida