لم تكن ملامحها هزلية بما يكفي حتى لأن تليق بدور سيدة عانس على المسرح، حتى حلتها المصنوعة من التويد وقبعتها التي تتماشى معها لم تكونا رثتي الهيئة، لكنهما كانتا تفتقران إلى أي لمسات مميزة.
في الظروف العادية، لم تكن آيريس لتنظر إليها أو تفكر بها مرتين، لكن اليوم، كانت تتطلع إليها بتعاطف.
قالت في نفسها: «إن وقعت هي في مأزق، فلن تجد من يمد لها يد المساعدة.»
كدرتها فكرة أنه يوجد حتما ضمن سكان العالم نسبة من الأشخاص الذين لا يملكون الأصدقاء ولا المال ولا النفوذ؛ أشخاص عديمي الشأن لن يفتقدهم أحد، وإن اختفوا فلن يتركوا وراءهم أي أثر.
كي تصرف آيريس عن ذهنها تلك الأفكار، حاولت أن تتأمل المنظر من حولها مجددا، لكن النافذة كان يحجبها الآن المسافرون الذين لم يجدوا مقاعد لهم فوقفوا في الممر؛ لذا للمرة الأولى، أحصت متعمدة الركاب الآخرين الذين يشاركونها المقصورة.
كان عددهم ستة - وهو العدد المناسب - والذي زادت عليه هي واحدا ليصبح سبعة، وهو ما لا يسمح به. كان جانبها يشغله أسرة مكونة من أبوين ضخمين وطفلة صغيرة تبلغ نحو اثنتي عشرة سنة.
كان الأب له رأس حليق، وشارب صغير مصفف بعناية، وذقون متعددة. منحته نظارته ذات الإطار القرني وسيماؤه المريحة مظهر مواطن ثري. كان لزوجته قصة مفرودة من الشعر الأسود المزيت، وحاجبان كثان يبدوان كأنهما محددان بالفلين المحروق. وكانت الطفلة ترتدي جوربين طفوليين، لا يتماشيان مع ملامح وجهها البالغة. كان من الواضح أن شعرها ملفوف بحيث يصبح به تموجات دائمة؛ فقد كان لا يزال مثبتا بالمشابك.
كان ثلاثتهم يرتدون حللا جديدة وأنيقة، تبدو مستوحاة من دليل كتابة اختزالية؛ فقد كانت حلة الأب مقلمة، وحلة الأم مرقطة، وحلة الابنة منقوشة بالمربعات. خطر لآيريس أنهم إن فرقوا ثم اجتمعوا مرة أخرى، وسط الزحام العام، فربما يوصلون للعالم رسالة مكتوبة بطريقة الاختزال.
حسب ما هو واضح لها، فستكون تلك الرسالة شعارا للبيت؛ إذ بدت عليهم روح الوحدة وهم يتشاركون صحيفة. كانت الأم تمر بعينيها على الأزياء، والطفلة تطالع صفحة الأطفال، وخمنت آيريس من العواميد المتلاصقة أن رب الأسرة يبحث الشئون المالية.
نقلت بصرها منهم إلى الجانب المقابل من المقصورة. بجوار العانس ذات الحلة المصنوعة من التويد كانت تجلس فتاة شقراء جميلة، يبدو أنها صاغت هيئتها من صورة أي ممثلة سينمائية شقراء؛ فقد كان لها الشعر المموج اللامع، والعينان الزرقاوان الواسعتان، اللتان تزينهما الرموش الاصطناعية، والحاجبان المقوسان. كانت وجنتاها مصبوغتين وشفتاها المقوستان مطليتين باللون القرمزي.
Página desconocida