لم يكن البروفيسور عديم الرأفة كما بدا؛ فتجربته غير السارة مع طالبته التي كانت متيمة به جعلته متحيزا ضد العواطف، لكنه ظن أن ما يفعله في صالح آيريس.
لذا لم يكن لديه أي فكرة أنه ألقى بآيريس في جحيم من الخوف. امتقع وجهها كله وهي تنكمش في ركن من المقصورة. كانت خائفة منه، خائفة من جميع من في القطار، حتى هير يبدو أنه انضم للمؤامرة ضدها. بدا لها أن العالم بأسره قد صار حلفا تكاتف لتهديد سلامتها العقلية.
أشعلت سيجارة أخرى بأصابع مرتعشة، وحاولت أن تستوعب الموقف. كان من الواضح لها أنها تدخلت في أمور مهمة، وتباعا لزم إسكاتها، وأن البروفيسور بعث إليها ليرشوها بالحصانة مقابل صمتها.
حتى إن كانت ترفض تلك الصفقة بغضب، كانت مضطرة لمواجهة الحقيقة المرة. هي لا تملك حتى شبه فرصة لمحاربة أولئك الأشخاص ذوي النفوذ. إن استمرت في سعيها لإيجاد الآنسة فروي فلن يكون على الطبيب سوى أن يستغل نفوذه ليزج بها في إحدى دور الرعاية بترييستي.
تذكرت القصة التي روتها لها الآنسة فروي عن السيدة التي حبست بمصحة عقلية خاصة. ربما يحدث لها الأمر نفسه. أي معارضة من جانبها ستستخدم إثباتا على فقدانها لصوابها. بإمكانهم أن يبقوها حبيسة تحت تأثير العقاقير، حتى تنهار تحت الضغط.
لن يدرك أحد أنها مفقودة إلا بعد وقت طويل؛ إذ لا ينتظر أحد عودتها إلى إنجلترا؛ فهي لم تتكبد عناء حجز غرفة في فندق، وسيظن أصدقاؤها أنها ما زالت خارج البلاد. عندما يتحرى عنها محاميها أو البنك الذي تتعامل معه سيكون الأوان قد فات. سيتتبعون أثرها إلى دار الرعاية، وعندما يصلون سيجدون مجنونة.
في خضم ذهولها، ألقت بنفسها في مستنقع من المخاوف المشوشة والمخاطر المبالغ بها، لكن مع أن موجة عاتية من الهلع كادت تغمر تفكيرها المنطقي، ظل جزء من عقلها يحتكم للمنطق.
أقنعها أن إنقاذ الآنسة فروي قضية لا أمل منها على الإطلاق.
سألها البروفسيور بتصبر عندما ألقت بسيجارتها دون أن تدخنها: «ما جوابك؟»
فجأة اجتاح آيريس اشتياق ملتاع عندما تذكرت قطار كالييه-دوفر السريع، والتلال البيضاء، ومحطة فيكتوريا. شعرت بالحنين إلى إنجلترا وإلى زمرة أصدقائها اللامبالين. ومض أمام عينيها الشعار المألوف «الأمان أولا» بأحرف مشتعلة.
Página desconocida