انحنى لها وذهب، لكنه لم يحضر الحساء.
نسيت آيريس طلبها فور أن أملته له. بدأت مجموعة من الركاب تتدفق في الممر بجوارها، وتسحقها في جانبه. كانوا جميعا يسيرون في الاتجاه نفسه، فنظرت إلى ساعتها.
رأت أن موعد تقديم وجبة العشاء الأولى قد اقترب.
قالت في نفسها بابتهاج بعد أن تحررت من إلحاح فكرة الدقائق المهدرة: «ثلاث ساعات فقط ونصل إلى ترييستي.»
كانت تعيق سير الموكب حيث تقف - إذ كان معظم الركاب جوعى - فكانوا مستائين من وجودها باعتبارها عقبة في طريقهم. لقيت منهم معاملة خشنة، ولكن لم يكن هناك جدوى من أن تصارع عكس ذلك التيار من البشر للخروج منه. فعندما حاولت ذلك، كادت تسقط أرضا عندما بدأ بعض الركاب الغليظين يدفعون غيرهم.
لا يبدو أن أحدا لاحظ المحنة التي لاقتها وهي تحاول الخروج من وسط الزحام. كان القطار يسير بأقصى سرعته، فكان جسدها يرتج ويرض وهي متشبثة بالقضيب الحديدي. خافت أن تسحق، فتعرقت راحتا يديها وتسارعت نبضاتها في هلع.
ثم أخيرا خف الزحام، وتنفست الصعداء وهي تنتظر حتى يمر الركاب الأكثر تهذيبا. حينها، عرفت من مزيج الخطوط والرقط والشرط باللونين الأبيض والأسود أن الأسرة متجهة إلى العشاء وقد شابكوا أيديهم. بعد أن تحرروا من قيد حضرة البارونة، كانوا يتحدثون ويضحكون، في مرح متطلعين لوجبتهم.
كان الوالدان ضخمين بما يكفي كي يعتصراها بلا هوادة وهما يحشران نفسيهما للمرور من جوارها، لكنها مع ذلك سعدت لرؤيتهما، إذ حاولت إقناع نفسها أنهما حتما يسيران في ذيل الموكب. ثم انسلت من جوارها الشقراء - الباردة ككتلة جليدية - في رباطة جأش لا تتزعزع، لا تشرد من شعرها شعرة واحدة.
كان الممر قد صار خاليا تقريبا، لكن آيريس ظلت مكانها، غير قادرة على مواجهة فكرة العودة للمقصورة والجلوس وحدها مع البارونة. لكن تهللت أساريرها عندما ظهرت البارونة برفقة الطبيب. لما كانت واثقة من أنها ستحظى بمقعد في عربة المطعم - مهما تأخرت في الحضور - فقد انتظرت حتى انفض جمع الغوغاء.
عندما مرت بهيئتها الضخمة المتشحة بالسواد من جانب آيريس، تكون في ذهنها تشبيه مناظر: حشرة تدهسها قدم عديمة الشفقة.
Página desconocida