La Justicia Divina y Su Efecto en las Criaturas
العدل الإلهي وأين أثره في المخلوقات
Géneros
ولقد نشط المذهب الروحاني في هذا العصر نشاطا ظاهرا موفقا، وكتب له القدر في لوحه آية النجاح، فآمن به من آمن، واعتنقه من اعتنقه من أصحاب الرأي، وذوي المكانة في حلبة الأدب، وميدان العلم والاختراع، فكان هذا دليلا لا ينقض على صحة المذهب، وبرهانا قويا لا يزعزعه مزعزع، ولا يؤثر فيه مؤثر، كان دليلا وكان برهانا على أن «المذهب الروحاني» مدرسة المستقبل، وأن المدرسة المادية لا يقوم أساسها إلا على وعث من الحجج والبراهين، لا تلبث أن تنهار إذا سال عليها سيل الدليل.
ولقد قرأنا في صحيفة من الصحف الأمريكية أخيرا أن المسز «سنيدر» الأمريكية الجميلة، كان قد حكم عليها وعلى شريكها مستر «غراي» بالإعدام، وأن هذا الحكم قد نفذ فيهما بالفعل، وأن ثلة من العلماء الأمريكيين، الذين كرسوا حياتهم لهذه البحوث القيمة النافعة، قد عقدوا اجتماعا علميا، بعد أن نفذ حكم الإعدام في مسز «سنيدر» بأربع وعشرين ساعة لمخاطبة روحها وسؤلها عن حالتها، فجاءوا بوسيط، واستحضروا الروح عن طريقه، فقال الروح - روح «مسز سنيد»: إن ما ينتابني من الأسى والحزن والأسف في أواخر أيامي التي قضيتها على الأرض هو أني اتهمت «غراي» بما قذفته به من تهمة؛ لأن تباعة الجريمة إنما تقع علي أنا لا عليه؛ ذلك لأنه لم يفعل إلا ما أمرته به، فكان لي مطيعا وكان منفذا، ولو أني كنت مخلصة لزوجي أحبه كما يجب لما وقعت الجريمة التي ارتكبها، وإنه ليحزنني جد الحزن أن تعاني ابنتي في العالم ما تعاني من المصائب، وأن الناس سينظرون إليها بعين الاحتقار والذراية، على اعتبار أنها ابنة مجرمة سفكت الدماء.
وإني لأضرع إلى الله أن تغير اسمها الذي تحمله، وتنسى أني كنت لها أما.
إنني أسعد حالا الآن عما كنت قبلا، وإن ثقتي في الله قوية عظيمة؛ من أجل ذلك أنا أطمع في رحمته، وأعتقد أنه سيغفر لي عما وقع مني؛ لأني عندما ارتكبت الجريمة كنت بلا شك مجنونة.
خاتمة
وكما أن الرأي الشائع عند بعض العلماء أن كمية القوة المنتشرة في العالم لا تتغير، ولكنها تظهر في صور مختلفة، فتراها تارة على شكل حرارة، وتارة على شكل كهرباء، ومرة في شكل حركة، وأخرى في شكل تركيب أو تحليل، فكذلك أيضا شأن الأمم، وحال ظهورها ودروسها، فما من أمة فتية محدثة قامت إلا على أنقاض أمة أدركتها الشيخوخة، وتولاها الضعف، وانتابتها النوائب ملاوة من الدهر، وليس من الحق ولا من الوجاهة - في قليل ولا كثير - أن نقيم حدا فاصلا بين القديم التالد والجديد المحدث، أو نتخيل أن حضارة أمة، أو ثقافة شعب من الشعوب، تقوم بمظهرها التجديدي من غير ما تمت بسبب، أو تتصل بنسب إلى عوامل القديم، أوفواعل ذلك الزمن الغابر.
الحق: أن كل جديد لا يقوم على أساس من القديم البائد غير مهضوم، لا تستمرئه العقول ولا تسيغه الأفهام، ولا تقوى على تصوره العقول السليمة، وكأي من أمة فتية قامت على أنقاض أمة أو أمم وليتها يد القدر بالزوال! وكأي من حضارة خلابة جذابة، وثقافة نافعة، قامت على دعائم وأسس غيرها من سالف الحضارات، وغابر الثقافات!
فالعقل البشري واحد في مظاهره، وفي تفكيره وفي منتجاته، وحقائق الأشياء ثابتة كما تقول فلاسفة العرب، وإنما ناموس النمو والارتقاء، أو قانون التطور والتحول يدرك الأشياء جميعها، فتظهر في صور مختلفة وأشكال متباينة.
وكما أن أعضاء الجسم وإن كانت بينها مفارقة ومخالفة بين عضو وعضو، ووظيفة ووظيفة، إلا أنها جميعها تعمل بالتعاون والمساعدة المتبادلة على تحقيق غاية واحدة، فكذلك أيضا حال الأمم والشعوب في العمل على تحقيق غايتها من الحياة القومية بالمساعدة والمعاضدة والمعاونة، تقوم كل أمة بقسطها من العمل، وحظها من الحياة، وهي سائرة في طريقها بين حق تطلبه، وتسعى لتحصل عليه، وواجب تقوم بأدائه.
وأنت يقع نظرك على أمة مستضعفة ينكرها تاريخ العمل والتبريز، فتحسبها غفلا من الروابط التي تربط مظاهر حياتها بثقافة أو حضارة قديمة أو محدثة، وتظنها عالة على غيرها، وتزعم أنها تتنفس بأنفاس غيرها، وتعيش على حساب سواها، وهي من بعد ذلك ليست شيئا مذكورا، على حين أن سنة التحول، وقانون التطور، وناموس النمو والارتقاء كلها أشياء لها قيمتها، ولها مكانتها، ولها حظها في حياة الأمم والأفراد، ومن ليس له حاضر فله ماض، ومن ليس له ماض فله مستقبل، إلا أن من يقطع الصلة بين القديم والجديد كمن يقطع الصلة بين الوالد والمولود.
Página desconocida