فصاحت به قائلة: «لا، لا، لا أحبك، اذهب عني يا شيطان ولا ترني وجهك!»
قال: «أعناد وروحك في قبضة يدي؟»
قالت: «لا تهددني بالموت فإنه خير مما أتوقعه، واقتلني وأرحني من هذه الحياة.»
قال: «لا أقتلك بل أذيقك العذاب، لا بل أعيد النصح وأدعوك إلى حبي.» ومد يده إلى شعرها ولم يكد يلمسه حتى اقشعر جسمها وانتفضت وكان الوثاق محلولا من بعض أطرافه فتملصت يدها وأخرجت ذراعها ودفعت يده بعنف، فجرد حسامه وهجم عليها به ليخوفها لعلها تطيعه، فوقفت وذراعها الأخرى مشدودة إلى جسدها ومدت يدها إلى سيفه فأخذته من يده وهو لا يمنعها منه، فقطعت بقية الحبال وأغارت عليه والسيف مشهر بيدها ففر أمامها، فأسرع رجاله إليها فأصابت أحدهم بضربة على عنقه فخر قتيلا، وهمت بالباقين فتكاثروا وتهافتوا عليها بالرماح والحراب والسيوف فأصابها رمح في زندها، فسقط السيف من يدها ووقعت مغشيا عليها من شدة الألم، فأسرعوا وشدوا وثاقها وهي لا تعي. فلما رآها سعيد مغمى عليها أمر بالماء فرشوها به حتى أفاقت فقال: «اتركوها لتستريح»، وحسب أنها ستذعن لأمره فجلس بالقرب منها يعلل نفسه برضائها بعد ما أصابها من الضنك.
وأما هي فازداد نفورها منه ويأسها من الحياة، ولما رأت ما هي فيه من الخطر الأكيد عظم عليها الأمر فلم تتمالك من البكاء والشهيق.
فدنا سعيد منها وقال بنغمة الظافر: «والآن يا أسماء كيف ترين نفسك؟»
قالت: «لا أراني أزداد إلا نفورا منك! اذهب من أمامي.»
قال: «يا للعجب! أبعد هذا ترجين خلاصا؟!»
قالت: «لا، لا أرجو ولا أطلب غير الموت فإنه غاية ما أرجوه، ولكن آه!» وعادت إلى البكاء وهي تقول: «أين أنت يا محمد؟! أرني وجهك قبل الممات ولو لحظة!»
فلما سمعها تذكر محمدا اتقدت الغيرة في قلبه وصمم على الفتك بها، فجرد حسامه ووقف فوق رأسها فنظرت إلى السيف وضوء اللهيب ينعكس عليه فيلمع، فأيقنت أنه قاتلها لا محالة فصاحت: «أين أنت يا محمد يا ابن أبي بكر؟! زودني بنظرة منك قبل الممات!»
Página desconocida