La Virgen de los Quraysh

Jurji Zaydan d. 1331 AH
104

La Virgen de los Quraysh

عذراء قريش

Géneros

فأطرقت ولم تجب، فجثا أمامها ومد يده محاولا أن يمس معصمها بينما أخذ ينظر إلى وجهها وقد انعكست عليه أشعة لهيب النار، فلم يكد يمس يدها حتى أجفلت وجذبتها من بين أنامله وبالغت في الإطراق.

فقال لها: «ما بالك يا مليحة؟ ألا تزالين تجافينني وأنت تعلمين أني أسير هواك؟ فهل تخشين ألا تلاقي في منزل محبك الإكرام الذي يليق بك؟ إنك لا تلبثين أن تنزلي في بيتك بالبصرة أو في الكوفة حتى تشعري بالسعادة التي تنتظرك هناك مما لا يتأتى لأحد سواي أن يهبك إياه؛ فهناك تجدين الخدم والحشم، والدور والمنازل، والخيل والماشية، والملابس الفاخرة، وكل أسباب الراحة. ألا تمنين علي بنظرة تدل على رضاك؟»

وكان سعيد يتكلم وعينا أسماء شاخصتان إلى تلك النار الموقدة بجانب هودجها، لا يحاكيها في ذلك الليل الهادئ إلا نيران قلبها المتقدة حبا لمحمد وغيرة على الإسلام، وقد ازدادت اتقادا وحدة لما سمعته من كلام ذلك الشاب وأرادت أن توبخه وتردعه، ولكنها علمت أنها إذا فعلت ذلك عرضت نفسها للخطر فتنهدت وظلت صامتة.

أما هو فظن تنهدها دليلا على أثر كلامه فيها، فابتسم ومضى نحوها جاثيا ومد يده ليمسك أناملها وهم بالتكلم فجذبت يدها منه، ونظرت إليه والشرر يكاد يتطاير من عينيها ثم أعرضت عنه وهي تحرق أسنانها، فابتسم هو وهش وقال بنغمة المحب الولهان: «بالله ألا رحمت قلبا قيدته بسلاسل هواك، ورمقته بلفتة أو بكلمة! قولي يا أسماء، قولي إنك راضية بي عبدا رقا وأنا أكرس حياتي لخدمتك، والله إني لم أقل هذا لأحد قبلك! تعطفي بالله وارفقي، كفى سكوتا وإعراضا! اعلمي يا مليحة أنني إنما أريد سعادتك وأن الله ساقني إليك لحسن حظك وحظي، وأن ابن أبي بكر ليس أهلا لك ولا هو يستحقك، ولسوف ترين ما يحل به إذا احتدم القتال.»

ولم تعد أسماء تستطيع صبرا على ذلك بعد أن سمعت التعريض بمحمد، فحدثتها نفسها أن تصفعه على وجهه ولكنها كظمت غيظها بالرغم منها، وعمدت إلى توبيخه فقالت بنغم ضعيف وصوت رخيم: «إني لا أراك أهلا للنزال.»

فسر سعيد لكلامها وإن يكن توبيخا له، لأنه رجا أن يصل بالحديث معها إلى استرضائها، فقال: «وما أدراك يا فاتنتي أني غير أهل لذلك؟»

قالت وهي تنظر إليه نظرة التأنيب: «لأن الرجل الذي يقطع الفيافي والقفار طلبا للثأر أو نصرة للحق على ما تزعمون لا يرتكب جريمة التزوير، ومن كان حرا صادقا يلقى الرجل في حومة الوغى لا يكلم فتاة يعلم أنها تحب سواه.»

فأحنى الرجل رأسه عند كلامها وقال: «لقد صدقت أيتها العذراء، ولكني إنما زورت التماسا لقربك إذ لم يبق لي إليه غير هذا السبيل، فأنا أستغفر لذنبي لديك.»

قالت: «إنك إنما أذنبت إلى غيري، فإذا كنت رجلا فالق محمدا واستغفره، فإما أن يغفر لك وإما أن ينازعك فنرى من هو الرجل.»

فجلس سعيد ودنا منها حتى كاد يلامسها ومد يده فقبض بواحدة على زندها وجعل الأخرى على نقابها وأراد أن ينزعه، فجذبت يدها منه ووقفت وقد أخذ الغضب منها مأخذا عظيما وقالت: «ابتعد عني ولا يغرنك سكوتي ومرضي، والله إن تمدد يدك لأكسرنها!»

Página desconocida