لصفوك الطيب الآنات والزمن
بمن هو الملك لي من بعد ملك أبي
ومن هو الأهل والأتراب والوطن
فبعد أن تهادى العاشقان تحية اللقاء، وتشاكيا الجوى والحرق بقدر ما مكنهما الموقف من الاشتكاء، وكان «هاموس» قد اختفى فلم يبق على المكان غريبا سوى ثرثر، تقدم الأمير الهندي فخاطب «آشيم» قائلا: أنا أيها الأمير ثرثر ابن عم عذراء الهند، وخاطبها ومخطوب الملك أبيها وسائر آلها وذويها، فأنا إذن أولى بها منك من كل الوجوه. قال: غير الطبيعي المقدم منها، وهو أن تحبك التي تدعي أنها خطيبتك. قال: ليس هذا لنا في عرف معاشر الهنديين، ولا في قانون ولا في دين. قال: وهل أنت ناس أيها الأمير فأذكرك أنك على أرض رمسيسية محضة، طالما رأت ملوككم مكان الخيل في المركبات؟ فكيف تتغلب لكم فيها أحكام أو عادات. قال: إذن فليحكم بيننا السلاح، وليقض العذراء لمن شاء. قال: وهذا أيضا أمر يحول دونه بعد شأنك عن شأني، ونزول مكانك في المجد عن مكاني، إلا أنني أتنازل مرة في العمر واحدة فأبارزك كرامة لقرابتك من عذراء الهند.
ثم إن الأمير استل خنجرين توأمين وأشار لثرثر أن يختار فأخذ أحدهما وانبرى الخصمان على الفور، يتطاعنان على مشهد من الفتاة ومسمع، وكانت هي قد رأت لابن عمها حركات مريبة، فنبهت «آشيم» لذلك قائلة: إن للهنود يا «آشيم» بغتات غدر وخيانة، في مواقف الشرف والأمانة، فحاذر، فرب غادر قاتل في ثياب شريف مقاتل، فحفظ الأمير هذه ووعاها، كما أنه لم يمهل خصمه حتى يتمكن من حركة تدليس وخيانة، بل وطعنه في خاصرته اليمنى طعنة تركته ملقى على الأرض يسبح في دمائه.
وبعد ذلك انثنى «آشيم» وعذراء الهند عائدين إلى حيث خيمة الأمير وخيله فكان للحشم والعبيد، برؤية الأمير السرور الذي ما فوقه مزيد، وأرسل الأمر للحين إلى خواصه يبشرهم بالملتقى ويستنهض هممهم لإعداد زينة، أجل زينة، تشمل الضواحي والمدينة، وأن تسير المواكب فجرا حافلة تترى لاستقبال الركاب، على الأبواب، وأن يعلن استمرار الاحتفاء والاحتفال، أربعة أيام بليال.
الفصل الحادي عشر
أفراح منفيس
ما طلع الفجر الأسعد موعد تشريف الركاب، القادم بالأحباب، حتى تجلت منفيس وضواحيها، وقد تحلت ببهيج المناظر وضاحيها، فأخذت المنازل زخرفها، وازينت دور الحكومة، واحتفل الأهالي وبهر العيد وتنظم موكبان فاخران، خرج أحدهما للقاء العروسين والعودة في ركابهما، ومد بالآخر من دار الإمارة إلى باب طيبة لتحية الركاب في الطريق، فلم يكن قبيل الضحى حتى أقبل الموكب بالجلال والجمال، يتقدمه قفص من فضة، محمول على عواتق الرجال، وفيه النمر حارس يبدو في حلة عجب، وتنوء لباته بقلائد الذهب، وعلى أثر هذا القفص نحو ألف جندي من كل سلاح، ثم يأتي هودج محمول كذلك على الأعناق، وقد جعل مكان الشجر منه شجر مصنوع من الفضة والذهب، مكلل بالأحجار الكريمة.
وهذا الهودج يقل الأميرة الهندية وهو يتهادى في أكمل رونق، وأتم بهاء بين هالة من الكبراء والعظماء، محدقة مشرفة. ببدر الإمارة مشرقة، وهو يختال على متن جواد عال غال، مذخور ليوم عيد وصبيحة احتفال، وخلف هذه الكوكبة السنية ألف آخرون من الجند متممين للحرس الكريم، ثم يلي جحفل زاخر، لا أول له ولا آخر، هو مختتم ذلك الموكب الفاخر.
Página desconocida