Cuenta Regresiva: La Historia de los Viajes Espaciales
عد تنازلي: تاريخ رحلات الفضاء
Géneros
صرح كوروليف لاحقا: «لم تكن ثمة تحقيقات بالمعنى الصحيح للكلمة. اتهمت بصورة فجة بأنني أجريت أبحاثا لتطوير تكنولوجيا جديدة، ولم أكن أتصور تهمة أكثر عبثية وأبعد عن التصديق من تلك التهمة.» لكن الشرطة السرية كانت ماهرة للغاية في إظهار معتقليها في أسوأ صورة ممكنة. وجه أحد المحققين كلامه إلى كوروليف قائلا: «لا تحتاج بلادنا إلى ألعابك النارية، أو لعلك تصنع الصواريخ في محاولة لاغتيال قائدنا؟»
لم يذهب كوروليف إلى كوليما مباشرة، بل قضى الأشهر الثمانية التالية في سجن في نوفوتشركاسك، وهي مدينة في الجنوب. وفي تلك الأثناء، جاء مدير جديد للشرطة السرية، حيث كان المدير السابق، نيوكلاي يزوف، قد مات رميا بالرصاص أمام إحدى فرق إطلاق النيران التي كانت تعمل تحت قيادته. وأصدر خليفة يزوف؛ لافرنتي بريا، أوامر جديدة، وكان من نتائج ذلك أن أصدر أولريك تعليمات إلى جهاز الشرطة السرية بإعادة كوروليف إلى موسكو، لكن كوروليف كان بعيدا في ذلك الوقت، حيث كان قد بدأ رحلته قبل أسبوعين إلى كوليما.
اجتاز كوروليف البلاد بالقطار، في عربة ماشية قذرة ومزدحمة، وكان من المنتظر بعد ذلك أن يمضي في رحلة عبر بحر أوكوتسك في مخزن سفينة تقل سجناء، وكانت الروائح الكريهة تفوح من السجناء السياسيين؛ إذ لم تكن ثمة حمامات أو مراحيض. وفي أغسطس 1939، بلغ كوروليف وجهته المقصودة، وهي معسكر مالدياك للتعدين، في أقصى أعماق البلاد، ولم يمض وقت طويل حتى تدهورت صحته ودخل في مرحلة احتضار بطيء؛ فقد أصيب بمرض الإسقربوط، الذي أصابه بنزيف في اللثة وأفقده الكثير من أسنانه، وكان فكه قد انكسر خلال عملية تعذيب سابقة، وها هو يصاب بجروح في رأسه على إثر لكمة يسددها إليه أحد الحراس؛ وكان ذلك في شهر نوفمبر، ولا تزال أيام الشتاء القادمة تنذر بمزيد من الطقس السيئ.
في تلك الأثناء، وصل أمر جديد من الشرطة السرية إلى معسكر مالدياك، ليعود كوروليف أدراجه عبر الطريق الطويل الذي كان قد قطعه من موسكو، وكانت الخطوة الأولى في طريق العودة تتمثل في عبور بحر أوكوتسك، وأدرج كوروليف بالفعل في قائمة سفر على متن سفينة «إنديجيركا»، وهي سفينة تابعة للشرطة السرية. ووسط الطقس العاصف، خرجت السفينة عن مسارها واصطدمت بالصخور قرب اليابان، ورفض قائد السفينة فتح أبواب السجن بالسفينة؛ مما تسبب عمدا في أن لقي أكثر من ألف سجين سياسي حتفهم غرقا، ولم يكن كوروليف من بين هؤلاء؛ إذ لم يتمكن من بلوغ ميناء ماجادن في الوقت الملائم لركوب السفينة.
قضى كوروليف فترة الشتاء في ماجادن، حيث كان يصلح الأحذية ويقوم بأعمال أخرى صغيرة. وحملته سفينة أخرى إلى فلاديفوستوك، آخر محطة على المحيط الهادئ في خط السكة الحديدية العابر لسيبيريا. وفي كاباروفسك، في الشرق الأقصى، تلقى كوروليف الرعاية الطبية وبدأ يستعيد قدرا من صحته، ثم أعادته الشرطة السرية إلى سجن بوتيركي الشديد الازدحام في موسكو، حيث صدر ضده حكم آخر في منتصف عام 1940 بقضاء ثمانية أعوام أخرى؛ ولكن لم يعد كوروليف إلى كوليما، بل استفاد من قرار آخر من قرارات بريا.
يشير المؤرخ ألكسندر جرشتين قائلا: «كان الجولاج - نظام معسكرات الاعتقال - مصدرا رئيسيا لعمالة السخرة. لم يقرر بريا توفير عبيد لأداء الأعمال البدنية فحسب، بل استحضر أيضا عبيدا لأداء الأعمال الفكرية.» شكل بريا مجموعة من الفرق ذات مهارات فائقة في مجال تصميم الطائرات للعمل خلف الأسلاك الشائكة، مستعينا بالسجناء السياسيين في المناصب الرئيسية، وكان أفراد هذه الفرق يعملون في مكاتب هندسية تقليدية، حيث ينفذون المهام المعتادة في تخصصاتهم، لكنهم لم يكونوا يعودون في المساء إلى عائلاتهم، بل كانوا يقضون الليل في الثكنات؛ حيث يرافقهم حراس طوال الوقت. وكان يطلق على هذه المعاهد اسم «شاراجاس»، وهي كلمة مشتقة من لفظة عامية تعني «خدعة» أو «لعبة خداع» أو «مجموعة من الأشخاص المعدومي الفائدة». وداخل تلك المعاهد، كان بريا يتوقع أن يصمم السجناء طائرة جديدة تستطيع أن تحقق انتصارا حربيا مؤكدا، وكان خيار الترحيل إلى كوليما مطروحا دائما في حال ما لم يتمكنوا من إنجاز مهمتهم.
كان من بين السجناء وقتها معلم كوروليف القديم، أندريه تبوليف، الذي كان قد أشرف على نموذج الطائرة الذي صممه كوروليف بينما كان في معهد بومان الفني العالي. وكان تبوليف قد خالف أوامر ستالين خلال الحرب الأهلية الإسبانية، عندما حقق المقاتلون الألمان تفوقا ساحقا على نظرائهم السوفييت. وكان تبوليف قد صمم قاذفات، وليس مقاتلات، لكن ذلك لم يحدث فارقا؛ إذ زج ستالين بكبار مصممي الطائرات الذين عملوا تحت إشرافه في غياهب السجن على نحو عشوائي. أصدر بريا تعليماته إلى تبوليف بتشكيل فريق تصميم تابع للشرطة السرية، سماه تبولفسكايا شاراجا، وتذكر تبوليف تلميذه القديم كوروليف، الذي سرعان ما انضم إليهم. كما انضم إلى الفريق أحد زملائه المهندسين، ويدعى ليوند كربر، وكتب لاحقا عن ذلك يقول: «اصطحبنا إلى غرفة الطعام، والتفتت الرءوس تجاهنا، وعلت موجة من الهتافات المفاجئة، وأسرع الناس نحونا. كانت ثمة وجوه كثيرة مألوفة وصديقة، وكنا نرى على الموائد تبوليف وبتلياكوف ومياسشتشيف وكوروليف وكثيرين غيرهم من صفوة مبتكري تكنولوجيا الطائرات الروسية. ولم يكن مرجحا أن يكون قد ألقي القبض عليهم جميعا؛ فهم جميعا سجناء، وهو ما كان يمثل كارثة في حق الطيران السوفييتي!»
5
في حقيقة الأمر، لم يكن الأمر كذلك؛ ربما كان بريا شخصا شريرا لا يعرف الرحمة، لكنه لم يكن أحمق وكان يعلم كيف يوفر لهؤلاء السجناء ما يتيح لهم إنجاز مهمتهم. ومع ذلك، يتذكر كربر لاحقا كوروليف ويصفه بأنه «شخص سوداوي ومتشائم، يتسم بنظرة شديدة القتامة عن المستقبل». لم يخف كوروليف ازدراءه للنظام، وكان من المتوقع أن يقتل رميا بالرصاص، وكثيرا ما كان يتمتم قائلا: «سنختفي جميعا بلا أثر. سوف يبيدوننا تماما عن وجه الأرض دون أن تذكرنا الصحف حتى في خبر على إحدى صفحاتها.»
وجد كوروليف في عمله متنفسا وسلوى له. يتذكر أحد زملائه في السجن لحظة سماعه هو وكوروليف لمعزوفة كونشرتو الكمان في الإذاعة، حيث شعر كلاهما بحنين شديد إلى الوطن: «ذرفت الدموع على وجنتي، ونظرت حولي لأرى كوروليف يقف بجواري وعيناه مغرورقتان بالدموع؛ فأجهشت في البكاء بمرارة شديدة، وعاد هو إلى المكتب، وعندما عدت كان يجلس إلى مكتبه منهمكا في العمل الذي يؤديه.»
Página desconocida