La genialidad de un amigo
عبقرية الصديق
Géneros
ففي تعظيم النبي كل شدة قليلة، وفي أمر غيره كل صفح جائز مستحب محمود، وليست هي المحبة التي يعوزها التفكير قد فرقت هذه التفرقة بين العقابين؛ لأن هجو النبي قدح في لباب الدين وأس النظام، وهجو المسلمين وزر قد يأتيه المسلم في خلاف بينه وبين قومه، ولكنها على هذا حادثة قد عرضت لنا طبع أبي بكر في حالتيه: لين وهوادة، وإعظام لا لين فيه ولا هوادة، وإنما هي الشدة كأشد ما تكون. •••
وربما تهيب الأمر فيه نفع لا شك فيه إذا لم يسبقه النبي عليه السلام إلى صنعه أو صنع مثله؛ لفرط اتقائه أن يصنع ما ترك أو يترك ما صنع، كما تهيب جمع القرآن في المصحف حين أشار به عمر، فقال: «كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله
صلى الله عليه وسلم ؟» ثم استصوب جمعه لما فيه من خير.
فسماحة أبي بكر كانت طبيعة فيه؛ لأنه طبع على الرفق والأناة والأخذ بالحيطة واستبقاء المودة.
وشدة أبي بكر كانت طبيعة فيه؛ لأنه طبع على تصديق من هو أهل لتصديقه، والإعجاب بمن هو أهل لإعجابه، ولن ترى شدة في إنسان كشدة الرجل السمح في تنزيه صفيه وحبيبه وموضع إعجابه، ولا حرصا في إنسان كحرصه على القدوة بذلك الصفي الحبيب المعجب به، واجتناب التخلف عنه والحيد عن طريقه.
وفيما عدا هذه الشدة لم يكن أبو بكر إلا حلما غالبا ورحمة غالبة، ولم تنفرج أمامه طريقان: إحداهما إلى العفو، والأخرى إلى البطش، إلا أخذ بالأولى وأعرض عن الثانية.
شاوره النبي عليه السلام في أسرى بدر فقال: «يا نبي الله؛ هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان، وإني أرى أن تأخذ منهم الفدية، فيكون ما أخذنا منهم قوة، وعسى الله أن يهديهم فيكونوا لنا عضدا.»
وشاوره حين اجتمعت قريش لصده وصد المسلمين عن البيت فنادى بالناس: «أشيروا أيها الناس علي. أترون أن أميل إلى عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت، فإن فاتونا كان الله قد قطع علينا من المشركين، وإلا تركناهم محروبين؟»
فقال أبو بكر: «يا رسول الله، خرجت عامدا لهذا البيت، لا تريد قتال أحد ولا حربا، فتوجه له فمن صدنا قاتلناه ...» يقاتل من صده عن البيت ولا يقاتل من لم يصده.
وشيع جيش أسامة فلم ينس أن يوصيه بالضعفاء، وهو ذاهب إلى القتال: «لا تخونوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا صغيرا، ولا شيخا كبيرا، ولا امرأة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاه ولا بقرة ولا بعيرا إلا لمأكلة. وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له، وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا بعد شيء فاذكروا اسم الله عليها، وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رءوسهم، وتركوا حولها مثل عصائب فأخفقوهم بالسيف خفقا. اندفعوا باسم الله.»
Página desconocida