La genialidad de un amigo
عبقرية الصديق
Géneros
ضعيفا في بدنك قويا في أمر الله، متواضعا في نفسك عظيما عند الله، جليلا في الأرض كبيرا عند المؤمنين، ولم يكن لأحد عندك مطمع، ولا لأحد عندك هوادة، فالقوي عندك ضعيف حتى تأخذ الحق منه، والضعيف عندك قوي حتى تأخذ الحق له، فلا حرمنا الله أجرك، ولا أضلنا بعدك ...
وفي هذا الثناء كفاية إذا عمدنا إلى الثناء الذي قاله فيه عارفوه.
ولكننا في أمر أبي بكر وأمثاله نستطيع أن نتجاوز الثناء إلى مقالة الأعداء الألداء، ونحن آمنون أن نسمع فيه ما يغض من فضله وينقص شيئا من حقه. إذ ليس على عظيم من العظماء غضاضة أن يختلف فيه مختلفون، وأن يتأول أعماله متأولون، فكل عظيم من عظماء الدنيا قيل له وقيل عليه، وحسنت نيات قوم نحوه وساءت نيات آخرين، فليس هذا بضائره، وليس هذا بعجيب، وإنما الميزان العادل في الحكم له أن عليه دليل القائل وليس مقال القائل، فلمن شاء أن يزعم ما يشاء فيمن يشاء، ولكنه لا يوضع في الميزان إلا بدليل تؤيده الوقائع والأعمال، فهذا الذي يحسب من مقال القائلين ومن خلاف المختلفين.
فليست فضيلة أبي بكر أنه ظفر من الناس جميعا بالثناء الذي لا معقب عليه، إذ ليس هذا بممكن وليس هذا بمعقول ولا بمطلوب.
وإنما فضيلته أنه قد ظفر بالثناء ممن في ثنائه صدق، ولثنائه قيمة، وأن خلاف المخالفين لم يقم قط على دليل، ولم يأت قط من أناس يحسنون ما يقولون.
وكل حكم على أبي بكر مؤيد بدليل معتمد على واقع، فهو مصور له في صورة عامة واحدة لا شك فيها، وهي صورة أمين، وأكثر من أمين؛ لأنه لم يتهم قط بخيانة في الجاهلية أو الإسلام.
وأكثر من الأمين؛ لأن الأمين هو الذي يعطي حق غيره، فأما الذي يعطي الأمانة يزيد عليها، أو يعطي حق غيره، ويعطي من حقه الذي لا يطلب منه، فذلك هو المفضل الذي جاوز قدر الأمانة، فهو أكثر من أمين.
وكان أبو بكر يؤدي الأمانات في الجاهلية ويزيد عليها من عنده فضل المفضل، وإحسان المحسن، وإغاثة المغيث.
ثم تسلم الأمانة الكبرى بعد الخلافة، فترك الدنيا وقد أداها كما هي وزاد عليها.
ولسنا غالين في المجاز حين نقول: إنه صنع مثل ذلك في أمانة الخلق أو أمانة الحياة، فمات خيرا مما ولد، ونشأ ضعيفا في بدنه كما قال رسول الله
Página desconocida