51

Genialidad de Khalid

عبقرية خالد

Géneros

إلى هنا انتهت المرحلة الأولى التي اشترك فيها المسلمون جميعا بقيادة الخليفة لمدافعة المرتدين عن المدينة، وكان شأن خالد فيها شأن غيره من أبطال المجاهدين.

وآن أن تبدأ المرحلة الثانية وهي المرحلة التي توزع فيها الأعمال بين القادة في شتى الميادين، بعد أن تمت العدة وتوافدت الأمداد من مختلف القبائل، واستراح جيش أسامة، وهدأت سورة القيظ وبدأ الخريف، وأصبح من الميسور للخليفة أن يوجه البعوث إلى المتنبئين في مواطنهم؛ ليعجل كل منهم عن مراده قبل استفحال خطبه.

ففي أول هذه المرحلة، نرى خالدا ب «ذي القصة» حيث عقد له الخليفة لواء القيادة على جيش لا تتجاوز عدته أربعة آلاف مقاتل، أكثرهم من أبناء القبائل الموالية وأقلهم من المهاجرين والأنصار، ووجهته إلى «بزاخة» من أرض بني أسد حيث اجتمع بنو أسد وقيس وحلفاؤهم إلى المتنبئ القائم بأمر الردة هناك طليحة بن خويلد.

وربما كان الصحيح أن خالدا إنما استقل في أول هذه المرحلة بعمل القائد العسكري في تنفيذ خطة مرسومة بتفصيلاتها، إذ كانت هذه الخطة متفقا عليها بينه وبين الخليفة، وكان الخليفة اليقظان يأمره بما يصطنع خطوة بعد خطوة، وينبهه إلى مواقف القبائل ومواطن الخطر منها على درجاته، ويصحبه إلى بداية طريقه.

قال الخليفة وهو يودع الجيش: «أيها الناس، سيروا على اسم الله وبركته، فأميركم خالد بن الوليد إلى أن ألقاكم. فإني خارج فيمن معي إلى ناحية خيبر حتى ألاقيكم.»

ثم خلا بخالد وأسر إليه أمرا، ثم قال: «... عليك بتقوى الله، وإيثاره على سواه، والجهاد في سبيله، والرفق بمن معك من رعيتك، فإن معك أصحاب رسول الله

صلى الله عليه وسلم

وأهل السابقة من المهاجرين والأنصار فشاورهم فيما نزل بك ثم لا تخالفهم، فإذا دخلت أرض العدو فكن بعيدا من الحملة فإني لا آمن عليك الجولة، واستظهر بالزاد وسر بالأدلاء، وقدم أمامك الطلائع ترتد لك المنازل، وسر في أصحابك على تعبئة جيدة، واحرص على الموت توهب لك الحياة، ولا تقاتل بمجروح فإن بعضه ليس منه، واحترس من البيات فإن في العرب غرة، وأقلل من الكلام واقبل من الناس علانيتهم وكلهم إلى الله في سريرتهم، وإذا أتيت دارا فاقحم. فإن سمعت أذانا أو رأيت مصليا أمسك حتى تسألهم عن الذين نقموا ومنعوا الصدقة، فإن لم تسمع أذانا ولم تر مصليا شن الغارة، فاقتل وأحرق كل من ترك واحدة من الخمس ... وإذا لقيت أسدا وغطفان فبعضهم لك وبعضهم عليك، وبعضهم لا عليك ولا لك متربص السوء ينظر لمن تكون الدبرة فيميل مع من تكون له الغلبة، ولكن الخوف عندي من أهل اليمامة، فاستعن بالله على قتالهم، فإنه بلغني أنهم رجعوا بأسرهم، فإن كفاك الله الضاحية فامض إلى أهل اليمامة ... سر على بركة الله.»

ولم يكن الخليفة على نية المسير إلى خيبر كما أعلن أمام الناس، ولكنه لم يشأ أن يعلن سير الجيش إلى «بزاخة» نصا لمقاصد متعددة: منها أن يخيف بطون طيئ حين يقصد إليهم جيش خالد بقضه وقضيضه فيجهز على بقية التردد التي تهجس في صدورهم، ومنها أن يقنع طليحة بإرسال من عنده من طيئ لنجدة إخوانهم والدفاع عن بلادهم، ومنها أن يدهم طليحة على غرة وهو يظن أن الجيش متجه إلى غير «بزاخة» ومنصرف عنها إلى حين، ومنها أن يلزم أهل خيبر أماكنهم فلا يشتركوا في قتال ...

وقد عمد خالد بهذه الخطة، فمضى في طريق «بزاخة» ثم عرج على اليسار قبل منتصف الطريق كأنه يريد الحملة على ديار طيئ، وهناك وافاه فوق الألف من مقاتلة البطون الطائية ممن تخلى عن طليحة أو كان على نية اللحاق به بعد قليل. •••

Página desconocida