وفي رواية أنه - عليه السلام - سئل عن العتل الزنيم فقال إنه هو الفاحش اللئيم، وغير ذلك من الروايات والتأويلات كثير.
إلا أن الذي يعنينا فيما نحن بصدده أن الوليد لم ينسب قط إلى أحد غير أبيه المغيرة، وأن المغيرة لم يكن بحاجة إلى استلحاق ولد غريب عنه لكثرة أولاده ونجابتهم بين فتيان مخزوم وقريش عامة، وأن شبه الوليد ببني المغيرة ظاهر حتى في بعض الفروع البعيدة. فإن عمر بن الخطاب كانت أمه قريبة خالد بن الوليد، وكان يشبهه أقرب الشبه كما يتفق في أيامنا هذه كثيرا بين أبناء العمات والأخوال، وأن غير الوليد لأولى بذلك الوصف لما تقدم من اعتزاز قريش بنسبته فيهم حتى لقب بريحانة قريش وسمي بينهم بالوحيد.
وعلى أية حال، فقد نشأ خالد في بيت الوليد بن المغيرة وهو سيد بني مخزوم، وأحد السادات المعدودين في قريش، وصاحب الكلمة التي يتعلق بها مصير قومه فيما يجنح إليه من شرعة أو دين.
أما أمه فهي لبابة بنت الحارث الهلالية، وهي أخت ميمونة أم المؤمنين زوج النبي عليه السلام، وأخت لبابة بنت الحارث الكبرى زوج العباس عمه، وأخت أسماء بنت عميس التي تزوجها جعفر بن أبي طالب ثم أبو بكر الصديق، ثم علي بن أبي طالب، ولها أخوات أخريات بنى بهن رجال من ذوي الأخطار ومقاديم العشائر النابهين.
وندر في بيوت العرب النبيلة بيت لم يكن له صلة بخالد وذويه بالنسب والمصاهرة، من جانب أمه أو جانب أبيه.
والأقوال في سن خالد وتاريخ مولده لا تنتهي إلى قول يمتنع فيه الخلاف. فمن المؤرخين من يقول إنه مات وله من العمر ستون سنة، فإذا كان قد مات في السنة الحادية والعشرين أو الثانية والعشرين للهجرة؛ فقد ولد إذن في السنة الثامنة والثلاثين أو السنة التاسعة والثلاثين قبل الهجرة.
ولكنه قول يحول دون تصديقه والأخذ به أن خالدا كان صغير السن في عام الفتح - فتح مكة - كما يفهم من تلقيب أبي سفيان له بالغلام وشيوع هذا اللقب بين عارفيه.
فقد كان أبو سفيان والعباس يرقبان عبور الكتائب والقبائل في يوم الفتح، فكان خالد بن المغيرة أول من مر في بني سليم. فسأل أبو سفيان: من هذا؟ قال العباس: هذا خالد بن الوليد، فعاد أبو سفيان يسأل وهو يخفي حنقه: الغلام؟ قال العباس: نعم، كأنه لقب كان معروفا بين شيوخ قريش.
والرجل لا يقال له «غلام» وهو في نحو السادسة والأربعين، وقد يقال له ذلك وهو حول الأربعين إذا كان القائلون من رؤساء الشيوخ، وكان اللقب قد عرف قبل ذلك بسنوات وبقي بحكم العادة والتردد على الأفواه. فإذا كان خالد بن الوليد يومئذ في نحو السادسة والثلاثين أو السابعة والثلاثين، فمولده على التقريب بين سنتي ثمان وعشرين وثلاثين قبل الهجرة.
وعندئذ تخطر لنا قصة أخرى لها صلة بهذا التقدير، وهي قصة المصارعة بينه وبين عمر بن الخطاب وهما غلامان وغلبته عمر وكسره ساقه في هذه المصارعة، وإنما يتصارع الندان أو المتقاربان. وعمر على تقدير مشهور قد ولد قبل الهجرة بأربعين سنة أو قرابة هذا التاريخ ...
Página desconocida