تشهد العيون كما تشهد القلوب أنه لمن معدن العظمة، أو معدن العبقرية والامتياز بين بني الإنسان، وللمحدثين علامات في العبقرية تتصل بالتكوين وتركيب الخلقة كما تتصل بمدلول الأخلاق والأعمال.
فالعالم الإيطالي «لومبروزو» ومدرسته التي تأتم برأيه يقررون بعد تكرار التجربة والمقارنة أن للعبقرية علامات لا تخطئها على صورة من الصور في أحد من أهلها، وهي علامات تتفق وتتناقض، ولكنها في جميع حالاتها وصورها نمط من اختلاف التركيب ومباينته للوتيرة العامة بين أصحاب التشابه والمساواة.
فيكون العبقري طويلا بائن الطول، أو قصيرا بين القصر، ويعمل بيده اليسرى أو يعمل بكلتا اليدين، ويلفت النظر بغزارة شعره، أو بنزارة الشعر على غير المعهود في سائر الناس، ويكثر بين العبقريين من كل طراز جيشان الشعور، وفرط الحس، وغرابة الاستجابة للطوارئ، فيكون فيهم من تفرط سورته،
6
كما يكون فيهم من يفرط هدوءه، ولهم على الجملة ولع بعالم الغيب وخفايا الأسرار على نحو يلحظ تارة في الزكانة
7
والفراسة، وتارة في النظر على البعد، وتارة في الحماسة الدينية، أو في الخشوع لله.
ومهما يكن من الشك في استقصاء هذه العلامات، والمطابقة بين تفصيلاتها وبين الواقع، فهي - بلا ريب - صادقة في حالات، مقاربة في حالات، غير أهل في كل حال للتصديق التام، ولا للبعد التام، ولا سيما عندما تتفق فيها الظواهر والبواطن، وتتلاقى فيها ملاحظات العلماء وشواهد العرف المأثور.
وفي عمر بن الخطاب من هذه العلامات كثير.
كان - كما تقدم طويلا - يمشي كأنه راكب، وكان أعسر يسرا؛
Página desconocida