Genio de la Reforma y la Educación: El Imán Muhammad Abduh
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Géneros
ولم يتسع له الوقت لتأليف الكتب في علومه التي كان يشارك فيها مشاركة وافية كعلوم الدين والفلسفة والبلاغة، ولكنه فسر القرآن الكريم إلى سورة النساء، وفسر السور التي كان يحفظها التلاميذ من الجزأين الأولين، وشرح الفلسفة الإسلامية في تعليقه على العقائد العضدية، والمنطق في شرحه للبصائر النسفية، وكتب رسالة التوحيد تبسيطا لهذه الفلسفة، واجتمع من مقالاته في الرد على هانوتو كتيب صغير، واجتمع من مقالاته عن الإسلام والنصرانية كتاب أكبر منه وأوسع في بابه، وله في الأدب شرح نهج البلاغة ومقامات البديع، وله في التصوف رسالة الواردات التي كتبها في صباه، ورسالة أخرى في علم الاجتماع ألفها يوم عمل في التدريس بدار العلوم، ولكنها ضاعت ولم يبق من فصولها - أو على الأصح من معانيها - غير ما أودعه بعض البحوث في الوقائع المصرية والأهرام وصحيفة العروة الوثقى ومجلة المنار، وتقديمه لترجمة رسالة الرد على الدهريين.
ولا يحسب هذا المحصول قليلا من مجهود التأليف في حياة رجل جم المشاغل والأعباء توفي وهو يناهز الثامنة والخمسين، ولكن عظمة هذا العقل الكبير وسعة الآفاق التي كان يجول فيها بتفكيره وجهوده تصغر هذا المحصول بالقياس إلى المحصول الذي كان مستطاعا له مع اليسر وقلة الكلفة لو أنه انقطع للتأليف، فليست هذه المؤلفات، على وفاء الفلسفي منها في بابه، إلا كالشعاع القوي الذي ينبثق عن الشمس، فيدل على ما احتجب منها، ولكنه يعطي الناظرين كل ما تعطيه الشموس من ضور النهار، تتلقاه النوافذ وتحول دونه الجدران. •••
ولا نحسب أننا نحيط بذلك الأفق الواسع من شتى نواحيه إذا ختمنا الكلام على المصلح الفيلسوف دون أن نذكر حظه من فنون الرياضة البدنية، إلى جانب حظه الكبير من رياضات العقل والروح، فقد كان هذا المجاهد الباسل في ميادين الإصلاح فارسا سباقا في ميادين الفروسية والرياضة البدنية، وكان فتيان إقليمه يرحلون إليه لمباراته واكتساب الشهرة بسبقه أو اقتران أسمائهم باسمه، وظل إلى آخر أيامه يركب الجواد أحيانا من بيته بعين شمس إلى القاهرة، أو من القاهرة إلى بيته ... وكان يمتطيه كثيرا في ذهابه إلى الجامع الأزهر، ويقول لمن يراجعه من أنصار التقليد: إن الفروسية كانت من سمت النبوة، وإن العالم الذي يتوكأ على السند إلى اليمين والشمال إنما يدرج - كما قال في تقريعه اللاذع - على سمت «ستي هانم»، وليس هو بسمت علم ولا عمل. وقد شهدناه في أسوان يحضر على صهوة جواد إلى ميدان الرياضة، ليشهد مباراة كرة القدم بين مدرستها وإحدى المدارس القريبة منها، فأعجبنا منه رجل الدين المهيب، يزيده وقارا ولا يخل بوقاره أن يقدس رياضة الأبدان بقداسة الدين؛ وفهمنا بهذه الزيارة الصامتة درسا عن الإسلام في عصر الحركة التي لا تهدأ، والحياة التي لا تقبل الجمود والوناء، إنه دين النفس القوية في الجسد القوي، لا إمام له أحق بالاتباع من هذا الإمام.
الفصل الرابع عشر
شخصية ولا شخصية
لوحظ في كتابة التراجم والسير أن البحث عن أحوال الشخصيات المشهورة يغري القارئ - والكاتب معا - بالبحث عن أحوالها «الشخصية»، ويشوق المستطلع إلى جوانبها الخاصة التي تقابل جوانبها العالية، أو جوانبها التي اشتهرت فيها أعمالها العامة.
ونلاحظ قديما وحديثا - قبل كتابة هذه الصفحات التي نختمها بهذا الفصل - أن سيرة محمد عبده كانت إحدى السير التي يقع فيها الاستثناء القليل من هذه القاعدة، فإننا نزداد اكتفاء بأخباره العامة - عن أخباره الخاصة - كلما توسعنا في معرفتنا به ومعرفتنا ببواعث أعماله، كأننا نحس بعد التوسع في المعرفة بشخصيته أنها «شخصية» ولا شخصية، أو أن أعماله الخاصة هي أعماله العامة بغير حاجز من السر أو العلانية يفصل بينهما، فكل ما فيها من بواعث «الأنانية» والأثرة فهو فيها جنبا لجنب إلى بواعث الإنسانية والإيثار.
يشوقنا كلما فهمنا عملا من أعماله أن نراه ونتأمل صورته المشهودة، كأنما نسائل أنفسنا: أي طلعة تكون لهذا الإنسان الذي غاب يجمع نفسه وعقله في الشعور الإنساني، حتى كاد أن يخفى بشخصه عن عالم الملامح والقسمات، لولا أنه شخص عظيم لا يجوز عليه الخفاء.
نتطلع إلى رؤيته لنرى كيف تتمثل فيه هذه «الإنسانية» الصافية مطبوعة أمام النظر بطابع إنسان واحد، ولكننا لا نبحث كثيرا بعد ذلك عما يعنيه؛ لأننا علمنا أن شئونه الخاصة لا تنعزل عن شئونه العامة، وأن قرابته في داره وجواره هي إحدى قراباته العامة، قرابته الإنسانية، وليست قرابة أخرى لها حال غير هذه الحال، ووجود غير هذا الوجود، وحجاب يتغير جانبه من هنا عن جانبه من هناك.
رأيت الشيخ محمد عبده مرات معدودة، ورأيته مرات لا تحصى في صوره الشمسية التي لا تلتبس إحداها ملامح صورة أخرى، فكانت النظرة الأولى كالنظرة الأخيرة إلى تلك الملامح فيما تنم عليه وتشير إليه.
Página desconocida