Genio de la Reforma y la Educación: El Imán Muhammad Abduh
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Géneros
كان في نحو السابعة حين ابتدأ بتعلم الكتابة والقراءة، فكان في قريته الصغيرة أمام طريقتين في هذه المرحلة الأولى من مراحل التعليم: طريقة السوط والفلقة وصياح العشرات من الصبية بين جدران المكتب العتيق، وطريقة التعلم في البيت بين يدي أستاذ واحد من أهله يفهمه ويعنى بتفهمه، ويعز عليه أن يعنته بالسوط والفلقة وجلبة الصياح في مكان كالمكان الذي يختار للمكتب في ذلك الزمن، فكان من حظه أن يتعلم حروفه الأولى على أفضل الطريقتين.
وارتقى في المرحلة الثانية من مراحل التعليم في القرية وهي حفظ القرآن، فلم يتعلمه في المكتب العتيق مأخوذا بقسوة الضرب والشتم، مرتاضا على الترديد مع زملاء له يحفظون غير حفظه ويرددون غير ترديده، ويستعينون بالحركة الآلية على هذا الحفظ الآلي الذي لا يعقله الأستاذ ولا التلاميذ، بل هو قد حفظ منه ما استطاع أهله أن يعلموه في البيت، ثم أسلموه إلى الحافظ المعتقد الذي يقرأ الكتاب مع تلميذه الوحيد قراءة بعد قراءة، قبل أن يأخذه باستظهاره من فاتحته إلى ختامه مقروءا أو غير مقروء، لا فرق بين تعليم الضرير وهو لا ينظر إلى الصفحة، وتعليم البصير الذي ينظر إلى الكلمات والآيات فيدرك جهده من الإدراك معنى الانتقال من آية إلى آية، ويستعيده للفهم جهده قبل أن يستعيده للحفظ والاستظهار ... فكان في هذه أيضا مجدودا موفقا إلى أمثل الطريقتين، وفضله في مثل هذه السن أنه وافق هذه الطريقة باستعداده للمضي فيها إلى غايتها، ولم ينفر منها كما نفر من التعليم - وهو أكبر من تلك سنا - لأنه تعليم معيب. •••
ثم ألفى نفسه مترددا عند مفترق الطريقين أيضا، على فجوة أوسع من كل فجوة مرت به منذ اختبر التعليم في البيت أو عند حافظ القرآن.
ألفى نفسه على مفترق الطريقين بين دروس المسجد الأحمدي يوم ذاك، ودروس قريبه الصوفي الحكيم الشيخ درويش بكنيسة أورين.
ألفى نفسه بين طريقة الأذن والذاكرة، وطريقة الذهن والوجدان.
في الطريقة الأولى يبتدئ المعلم بتدريس النحو لجمع من التلاميذ الذين يجهلون كل شيء عنه، فيلقي عليهم في أول درس ومن أول صفحة إعراب: بسم الله الرحمن الرحيم، ويحدثهم عن حرف الجر وعن الاسم المجرور، وعن المضاف والمضاف إليه، وعن النعت ومطابقة الوصف للموصوف، كأنهم قد فرغوا من دروس العربية كلها قبل أن يقرءوا البسملة على بابها الأول ... فمن وعى ما سمع فقد أدركته بركة العلم والمسجد، ومن لم يع شيئا مما سمع، فذلك عندهم مطموس محجوب عن البركة والفائدة.
وهذه هي الطريقة التي سميناها بطريقة الأذن والذاكرة؛ لأن أساتذتها يخاطبون في تلميذهم أذنا تسمع الكلمات، وذاكرة تثبتها كما هي وتعيدها كما سمعتها، ولا يعنيهم منه بعد ذلك أن يكون له ذهن يفهم ويتصرف فيما يفهم، أو وجدان يستضيء بنور المعرفة المفهومة ويستلذ الشعور بما وعاه منها.
وقد عاف الفتى الناشئ هذه الطريقة، ولم يستطع أن يغالط نفسه في حقيقتها، وإنما يفعل ذلك أحد اثنين من الطلاب: طالب مغلق الذهن عن كل معرفة مفهومة أو غير مفهومة، فهو عاجز عن الاستماع إلى ما يفهم وما لا يفهم مما يلقى على أذنيه، فلا يلبث بعد معالجة الحفظ والمراجعة زمنا أن يسلم الأمر تسليم اليائس؛ لأنه من أولئك المطموسين «لم يفتح عليهم»، وليس لهم من العلم نصيب مقدور.
والطالب الآخر الذي يزهد في تلك الطريقة ولا يغالط في حقيقتها، هو صاحب الذهن الذي يتطلب الفهم والوجدان، والذي يلمح النور إذا رآه، فإن لم يجدهما في ساحة الدرس لم يبال أن يتركه لما هو أقدر عليه من شواغل حياته، وبخاصة حين تكون هذه الشواغل رياضة كرياضة الفروسية تستريح إليها كل نفس حية وكل طبع سليم، وعملا كعمل الزراعة يقوى عليه صاحب الجسد في العمل، وصاحب البنية التي تحتمل الجهد ولا تعييها المشقة.
ولعمري إن من بواكير العظمة المستقلة في هذا الفتى الناشئ أن يركن إلى عقله في الحكم على هذه الطريقة بالعقم، ولا يستسهل قبل ذلك أن يتهم عقله وأن يصنع ما صنع الألوف من قبله في مثل بدايته، فإنهم كانوا يكبرون أن يعيبوا هذا التعليم، وهو محفوف بتلك الهالة المرهوبة التي تحف باسم المعهد الأحمدي وأسماء العلماء الذين يجلسون للتعليم فيه، ومن اسم السيد البدوي تستعيد تلك الطريقة هيبتها، وهو ثاو في ضريحه براء منها، وأنه كما قال الشيخ مصطفى عبد الرازق في ترجمته للأستاذ الإمام: «أشهر أولياء القطر المصري، وصيته وكراماته ذائعة في أنحاء وادي النيل، وللناس فيه اعتقاد، ولزائريه من صور التوسل والزلفى ما لا يخلو من إسراف.»
Página desconocida