Genio de la Reforma y la Educación: El Imán Muhammad Abduh
عبقري الإصلاح والتعليم: الإمام محمد عبده
Géneros
ومن هذا السياق العابر نعلم أن التركمان كانوا بين فرق الجيش، وأنهم لم يكونوا من المماليك المبتاعين؛ لأنهم كانوا سكان خيام، ولم تجر العادة بشراء الأسرة بخيامها من أهل البادية، ويوافق هذا الخبر ما رواه صاحب الترجمة عن أبيه من سكنى أجدادهم في الخيام قبل انتقالهم إلى البيوت حول مقام الشيخ «عبد الملك» الذي سبقت الإشارة إليه، ولا بد أن يكون هذا قد حدث قبل عهد الظاهر برقوق.
ونحن إذن بين فرضين: أحدهما أن هذا اللقب المتواتر قد لقبت به الأسرة عدة قرون بغير معنى ولغير سبب، والفرض الآخر أن الاتفاق بين التسمية وبين المذكور من سكناها الخيام ومن نشأتها على الفروسية وحمل السلاح لم يكن بعض عوارض المصادفة أو الاختلاق، بل كان بقية منقولة بين التذكر والنسيان، يجوز لنا أن نفهم منها أن جدا قديما للأسرة وفد إلى مصر قبل نحو ثمانية قرون، واختار المقام في إقليم البحيرة لموافقته في ذلك العهد على الخصوص لسكنى البادية، ويرجح أن مقدم هذا الجد إلى مصر كان على أيام صلاح الدين؛ لأنه كان يستكثر من جنود الأكراد وجيرانهم التركمان، وكان شديد العناية بإقليم البحيرة وكل ما جاور ميناء الإسكندرية إلى الغرب أو طريق الصحراء الغربية من حيث وفد الفاطميون أسلافه في حكم مصر، ولم يزل على حذر من جانب هذا الطريق بعد إسقاط الدولة الفاطمية بعدة سنين، فلا جرم يختص بإقطاعه أقرب الناس إليه، وينشر فيه جنده التركمان والأكراد ليقيموا فيه مقام الأهل ويحرسوه حراسة العسكر مع مقامهم فيه.
أما نسب صاحب الترجمة لأمه، فجملة ما نعلمه عنها أنه كانت تنسب إلى بني عدي بالصعيد، وهم منتسبون إلى القبيلة القرشية قبيلة عمر بن الخطاب كما هو معلوم، ولكن الأستاذ الإمام يقول إن «ذلك كله روايات متوارثة لا يمكن إقامة الدليل عليها».
وقد كانت مع أهلها من البيت الذي عرف في قرية «حصة شبشير» باسم «بيت عثمان الكبير»، وتزوج منها والده أثناء هجرته إلى إقليم الغربية، واسمها «جنينة» بنت عثمان، ويصفها ولدها الأمين فيقول: «إنها كانت ترحم المساكين وتعطف على الضعفاء، وتعد ذلك مجدا وطاعة لله وحمدا ...» ويقول: إن منزلتها بين نساء القرية لم تكن تقل عن منزلة أبيه بين رجالها.
والذي نراه أن انتساب هذه الأم إلى بني عدي بإقليم أسيوط، وانتساب بني عدي إلى القبيلة القرشية المعروفة ، أمر لا داعية للشك فيه؛ لأن هجرة القبائل القرشية إلى إقليمي المنيا وأسيوط خبر من أخبار الفتح العربي المتواترة، ولزوم هذا الاسم للقبيلة المعروفة به عند منفلوط لا يتسلسل مع الزمن اختلافا بغير سند أصيل، وقد ينتسب رجل أو امرأة إلى إحدى القبائل دعيا فيها بغير سند، ولكن انتساب قرية كاملة إلى القبيلة أمر نحسب أن تكذيبه أصعب من تصديقه، ولا موجب لتكذيبه على أية حالة بغير دليل.
وإنما تحتاج الرواية إلى دليل راجح إذا ارتفعت النسبة إلى رجل معلوم؛ إذ لا يلزم من صحة النسب إلى قبيلة عمر بن الخطاب أن يكون العدوي المنسوب من ذريته، ولا يثبت ذلك إلا بسلسلة النسب المحدود، ومتابعة أخبار الأبناء والأجداد ما بين الموطن الأول في الحجاز وموطن فروع في هذه الديار.
على أن الأخبار المتقدمة جميعا لا تتناقض في اختلافها ولا تتباعد كثيرا في جوهرها، فكلها تنتهي إلى نتيجة واحدة لا غرابة فيها، وهي أن المصلح الغيور قد أنبتته قرية موصولة بالتاريخ ترشحه لرسالته التاريخية، ونمته أسرة أبية تورثه ما قد ورث عنها من عزة وعزيمة.
الفصل الخامس
محمد بن عبده بن حسن خير الله
نشأ الطفل «محمد عبده» في بيت من بيوت القرية المتوسطة، لا يحسب من أفقرها؛ لأن الفقير في القرية لا يقتني الخيل ولا يفرغ لرياضة الفروسية وما إليها، ولا يملك من موارد الكسب ما يعينه على فتح بيته للضيافة وإيواء الضيوف من علية الزائرين في نظر أبناء القرية.
Página desconocida