فضحك الناصر وهو يعتدل في مجلسه وقال: «لا تكذب تنجيمك بل كذب ظنك بالناس خيرا. ألم تقل لي مرة أن الأذى يأتيني من أقرب الناس إلي؟»
قال سعيد: «يظهر أن مولاي الخليفة قد اطلع على السر من سواي.»
قال الناصر: «نعم، قل قولا صريحا، ولا تبال.»
قال سعيد وهو يظهر الاهتمام: «أما وقد اطلع مولاي على ذلك الأمر الفظيع، فلا أكتمه ما ظهر لي من الأسرار المتعلقة به.»
قال الناصر: «قل، أرشدني، إني مضطرب البال من التعب وليس من الخوف.»
قال سعيد: «يحق لمولاي أن يعتب على ابنه إذا أراد الغدر به.»
فلما رآه كشف السر بالتنجيم حسب اعتقاده عظم سعيد في عينيه، وعزم على استشارته والعمل برأيه فقال: «قل ما يدلك عليه علمك ولا تحاذر.»
قال سعيد: «دلني علمي على أن الزهراء - حفظها الله - قد اجتمعت بالأمير عبد الله لترده عن جريمة كان يحاول ارتكابها ضد أمير المؤمنين.»
قال الناصر: «صدقت، وما العمل الآن؟ قل، إني عامل برأيك.»
فانشرح صدر سعيد لهذا النجاح وعول على قطع السبل المؤدية إلى كشف سره هو، فأعاد النظر إلى كتاب التنجيم ورمى البخور في النار، ثم أطرق يفكر، والناصر ينتظر فراغه من التعزيم والتبخير، ورأى عينيه تحمران وتدمعان وقد تبدلت سحنته، وأخيرا وضع الكتاب من يده وأشار بيديه معا إشارة القبض وقال: «اقبض عليه حالا، اقبض عليه وعلى رفيقه في منزله، إنه شريكه في جرمه، واقبض على رجل ثالث كان معك الليلة، فإذا قبضت على هؤلاء بادر إلى الإعدام، إلى الإعدام؛ فإن بقاء واحد منهم يفضي إلى الفتنة. والحازم من اجتث شجرة الشر من جذرها. هذا هو رأيي بصراحة، وقد نفضت يدي من خطر المستقبل إن لم يعمل أمير المؤمنين برأيي.»
Página desconocida