Cabd Rahman Nasir

Jurji Zaydan d. 1331 AH
182

Cabd Rahman Nasir

عبد الرحمن الناصر

Géneros

فجاء ساهر بأسرع من لمح البصر، فأشارت إليه أن يقبض على الأمير عبد الله، فهجم عليه وقد أعد وثاقا شد به يديه، وعبد الله ينظر إليه مستغربا وهو يقول: «اخسأ يا غلام، ألا تعلم من أنا؟»

فلم يجب، ولكن الزهراء أجابت: «أنا أعرف من أنت، ولا يغرنك أنه كان خادما لك، فقد كان عينا لي عندك خوفا من أن ينال مثل هذا الطيش شعرة من مولاي الناصر.»

فلم يتمالك الناصر أن صاح وهو بالشرفة: «لله درك يا زهراء!»

فعرفت الزهراء صوت الخليفة، وكانت قد وثقت من القبض على عبد الله فانسلت واختفت، أما عبد الله فإنه أسقط في يده وجمد الدم في عروقه، ولم يعد ينفعه الندم، فساقه ساهر إلى سجن خاص وأغلقه عليه.

الفصل الثالث والستون

المشورة

أما الناصر فنهض ومشى وياسر بين يديه، وقد تولته الدهشة وظهر الفشل واليأس في وجهه، ولم ينبس بكلمة، وظل الناصر ماشيا حتى دخل غرفته وقد أعدوا له المائدة، فذهب إليها فأكل وهو لا يتكلم لعظم ما قام في نفسه من الأمر الخطير، وقد جاءه الخبر بغتة فلم يدر كيف يتصرف، وكان على موعد من لقاء سعيد بعد أن أرسله إلى الزهراء بالأمس يستطلع سر اجتماعها بعبد الله، فخطر له أن يستقدمه ليمتحن معرفته ويستشيره في الأمر لأنه أصبح شديد الثقة به.

أما سعيد فكان في غرفته في ذلك المساء ينتظر رجوع الناصر، فعلم من حركة أهل القصر أنه جاء فلبث ينتظر وصوله، وبعد ساعة أتاه ياسر وقد امتقع لونه من الدهشة والفشل وقص عليه ما كان، وهو يأسف لأن مهمته ضد الزهراء لم تنجح، وكان يحسب أن سعيدا يشاركه في الأسف أو يشير عليه بشيء، فتظاهر سعيد بمشاركته في ذلك، ولكن الرعب وقع في قلبه مخافة أن يصرح الأمير عبد الله بخبره فيذهب سعيه أدراج الرياح، ويصبح مهددا بالقتل، فأشار على ياسر أن يذهب ويكتم ما دار بينهما، فمضى وبقي سعيد وحده يفكر، وقد غلب عليه القلق والخوف.

وبينما هو في ذلك إذ جاءه غلام الناصر يدعوه إليه حالا، فخفق قلبه خوفا لئلا يكون الناصر قد اطلع على شيء من سره، ولكنه تجلد ووضع كتاب التنجيم في جيبه ومشى بقدم ثابتة حتى دخل على الناصر فرآه في فراشه، وقد أخذ الغضب منه مأخذا عظيما وهو يتظاهر بالهدوء والتكتم، فوقف سعيد بين يديه متأدبا ينتظر أمره كالعادة، فأشار إليه أن يجلس، فجلس على البساط جاثيا وأطرق، فقال له الناصر: «أظن أنك استبطأتني؟»

قال سعيد: «نعم، وقد كنت أنتظر رجوع مولاي بفارغ الصبر.»

Página desconocida