قال ياسر: «هو في الحديقة المعهودة، وهي معه.»
فأطرق الناصر حينا ثم ضرب الأرض برجله وقال: «كأن عبد الله ينتقم مني لأني حبست عابدة عنه؟ إلى هذا الحد بلغت جسارته أن يتعدى على جاريتي الزهراء نفسها؟»
فسر ياسر من غضب الناصر، وأحب أن يزيده من الغضب عليها وحدها فقال: «لا أظنه يطلب انتقاما ولكنها خدعته، والنساء لا يخفى على أمير المؤمنين حالهن.»
فمد الخليفة يده إلى جيبه وأخرج ورقة وقال: «وهذا كتابه جاءني بالأمس في قرطبة، ولم يصبر علي حتى أعود إلى هذا القصر فيخاطبني.»
فقال ياسر: «هل يطلب عابدة؟»
قال: «بل هو يهددني إذا أنا لم أعدها إليه، ولم أفهم معنى تهديده. لقد فهمت الآن إنه يريد أن ينتقم مني بأخذ الزهراء، ولكن كيف توافقه هي على ذلك؟!»
فقال ياسر: «إن النساء ...»
فقطع الناصر كلامه وقال: «أحب أن أراهما وأسمع حديثهما ولي بعد ذلك رأي فيهما.» قال ذلك والغضب باد على أساريره.
ففرح ياسر لهذا التهديد وأسرع بين يدي الخليفة، وبعث الأوامر إلى خدم القصر أن يخلوا هذا الجناح لأن أمير المؤمنين سيمر فيه، ولم تمض بضع دقائق حتى لم يبق هناك أحد، فمشى ياسر بين يدي الناصر حتى وصلا إلى غرفة لها شرفة تطل على الحديقة، فوجداها مقفلة، فقال ياسر: «لقد أغلقتها حتى لا يطل أحد منها عليهما.» وأخرج من جيبه مفتاحا فتحها به بخفة بحيث لا ينتبه أحد لفتحها، ودخل وأعد للناصر مقعدا بجانب الشرفة يطل منه على الحديقة.
فرأي الناصر الزهراء جالسة على مقعد من حجر، وقد كشفت عن وجهها كأنها مع بعض أهلها، وعبد الله جالس أمامها وقد رفع اللثام عن وجهه فبان على نور المصباح جليا، ولم يبق عند الخليفة شك أنه ابنه وأنها الزهراء جاريته، فاضطرب وثارت غيرته، لكنه صمت كأنه أصيب بالجمود. أما ياسر فكاد قلبه يطير من الفرح لنجاح مهمته.
Página desconocida