ومشى سعيد والصقلبي بين يديه حتى بلغ قصر المؤنس، فتحول به إلى غرفة من غرف الضيوف وقال له: «سأرسل إليك عابدة الساعة.» ومضى.
ومكث سعيد وهو يعمل فكره فيما يدبره لإتمام غرضه، وبعد قليل جاءت عابدة، وقد تزينت بأحسن الملابس وأتقنت هندامها فرأى فيها جمالا لم يعهده فيها من قبل، فعلم أنها تتوقع احتفاءه بها فهش لها ورحب بها وأجلسها إلى جانبه، فجلست وهي تبتسم وقلبها يخفق، وقد تبادر إلى ذهنها أن حسن هندامها يزيده رغبة فيها؛ لأنها ظلت حتى تلك الساعة تخشى صدوده، ورغم ما كان يبديه لها من الميل إليها فقد ظلت تخاف أن يؤخذ منها. أما هو فرحب بها وبالغ في إظهار إعجابه بها، فجلست وهي مطرقة تنتظر ما يبدو منه فقال لها: «كيف تجدين نفسك هنا؟»
فتنهدت وقالت: «أجدني تعسة.»
قال سعيد: «أتقولين الحق!»
قالت عابدة: «نعم وحياتك.» قالت ذلك وصوتها يرتجف.
فقال سعيد: «وهل يمكن أن تكوني في حال أحسن وأنت الآن جليسة الخليفة وموضع إعجابه؟!»
فتنهدت وهي تنظر إليه وتحاذر أن ينظر إليها فتضطر إلى أن تحول وجهها عنه، وقالت: «ألم أقل لك إني لا أطمع في شيء من هذه السفاسف، وإنما منيتي وغاية مطلبي هي أن ...» وسكتت.
فقال سعيد: «فهمت مرادك، وقد قلت لك إن ذلك ميسور لنا متى شئنا، ولكن لا بد من إتمام الأمر الذي جئنا من أجله. أين هو ذلك الحق؟»
قال عابدة: «هو عندي في مكان أمين.»
قال سعيد: «احتفظي به، واعلمي أن أمير المؤمنين سيدعوك الليلة ليسمع حديثك ويستمتع بغنائك، فابذلي الجهد في إرضائه.»
Página desconocida