Cabd Rahman Kawakibi
عبد الرحمن الكواكبي
Géneros
وإنه فضل المثقف الذي بلغ بوسيلته ما لم يبلغه أنداده بأضعاف تلك الوسيلة.
وإنه فضل المثقف الذي انتقع بثقافته ونفع بها قومه، وجعلها عملا منتجا، ولم يتركها كما تلقاها أفكارا وكلمات.
تلقى الكواكبي في المكاتب والمدارس ما يتلقاه الأطفال الصغار، فكل ما يتعلمه الفتى الناشئ أو الرجل الناضج هو كل ما تلقاه في بيته واستفاده من مطالعاته.
وتعلم من اللغات - غير العربية - لغتين شرقيتين هما التركية والفارسية، وكلتاهما تأخذ الثقافة العصرية منقولة من اللغات الأوروبية، متفرقة بين أشتات من الكتب والصحائف، فبلغ بهذه الوسيلة في مطلبه الذي عناه شأوا لم يسبقه فيه رواد الثقافة من مناهلها في لغاتها، وبين أيدي الأساتذة والمعلمين من أهلها.
وعرف ما عرفه بهذه الوسيلة، فعمل به كل ما في الوسع أن يعمل في زمنه، وأبقى أساسه من بعده صالحا للبناء عليه.
وذلك فضل النبوغ وفضل الزعامة، لا يستوعبه أن يقال إنه عمل رجل من المثقفين، حتى يقال: بل رجل من المثقفين النابغين العاملين.
ولا يطلب من المثقف العامل أن يحيط بمعارف عصره ويتقصى كل جديد من بدائع جيله، فليس ذلك بميسور ولا هو بلازم للمثقف العامل، وإنما يغنيه أن يعرف ما يعنيه في عمله، وأن يعمله على النحو الذي جددته معارف الزمن ولم يكن ميسورا لمن يتركون القديم على قدمه.
وكان الكواكبي يعمل في إصلاح المجتمع الإسلامي وإصلاح الحكومة المستبدة، فلم يدع بابا من أبواب المعرفة التي تعينه على قصده لم يأخذ منه ما يكفيه ويغنيه، ولم يزهد في أصل من أصول هذه المعرفة إلا ما كان من قبيل الفضول في تحقيق غاياته القريبة وجهوده المرجوة.
فليس من زاد هذه الدعوة أن يملأ ذهنه أو يملأ صحائفه بالمطولات أو الموسوعات في شروح التواريخ وتفاصيل المذاهب الاجتماعية ودساتير الحكومات والدول بين قديم منها وحديث.
وليس من زادها أن يسبح في عالم من فتاوى الفقهاء وفروض المفسرين وعشاق التأويل والتخريج.
Página desconocida