Abdul Nasser y la Izquierda Egipcia
عبد الناصر واليسار المصري
Géneros
لعل أهم النقاط التي تركز عليها رد الأستاذ فتحي خليل، هي تأكيده وجود ما أسماه «بالعلاقة العضوية» بين اليسار وبين ثورة 23 يوليو حتى قبل قيامها، وقد أتى للتدليل على ذلك ببعض الشواهد التي هي بالفعل صحيحة من حيث هي تعبير عن حقيقة جزئية، ولكنها ليست صحيحة إذا وضعت في الإطار العام للأحداث.
فمن المؤكد أن بعض الضباط الأحرار كان على اتصال بتنظيمات يسارية، ولكن من المؤكد أيضا أن بعضهم الآخر كان على اتصال بتنظيمات أخرى، بعضها ديني كالإخوان المسلمين، وبعضها حزبي كالحزب الوطني ومصر الفتاة، والقاسم المشترك بين كل هذه التنظيمات التي اتصل بها الضباط الأحرار قبل الثورة هو أنها كانت تنظيمات رافضة، ولذلك بحث الضباط الأحرار عن طريقهم بينها؛ لأنهم كانوا بدورهم رافضين، ولكن بهذا المنطق الذي اعتمد عليه فتحي خليل يستطيع الإخوان المسلمون أو غيرهم أن يؤكدوا وجود «علاقة عضوية» بينهم وبين ثورة 23 يوليو.
ومن جهة أخرى فقد رد الأخ فتحي خليل على نفسه ردا قاطعا حين أكد أن هذه العلاقة العضوية بين الثورة واليسار قد غابت، لا عن اليسار نفسه «في فترات تقصر أو تطول» وبناء على ذلك اعترف فتحي خليل، نصا، بأن سلبيات ثورة 23 يوليو، والتطرف العدائي لليسار، والتصرفات الرجعية والانحرافات والاستغلال، كل هذه قد دخلت - على حد تعبيره - من باب «غياب حقيقة العلاقة العضوية والفكرية والكفاحية عن واحد من الطرفين أو عنهما معا.»
الآن، أود أن أتساءل بإخلاص: ما قيمة هذه «العلاقة العضوية» المزعومة إذا كانت قد غابت عن طرفيها معا «لفترات تقصر أو تطول»؟ إن كل علاقة - بقدر ما أعلم - تتوقف على الطرفين اللذين يدخلان فيها، ولا يعود لها وجود أو معنى إذا غابت عن الطرفين معا، وأقصى ما يئول إليه أمرها عندئذ هو أن تصبح كعلاقة الزواج بين زوجين منفصلين روحيا وجسديا!
أما الأستاذ فيليب جلاب فقد غضب لتفسير خروج اليساريين من المعتقلات في عام 1964م بأنه مجاملة للاتحاد السوفيتي مؤكدا أنه لا بد أن يكون راجعا إلى تطور السياسة الداخلية إلى حد لم يعد يوجد معه مبرر لهذا الاعتقال، وأنا أعلم جيدا أن كل من كان في المعتقل يغضب لهذا التفسير.
لكن لنناقش الأمر بهدوء: إن التطور الحاسم في السياسة الداخلية قد حدث منذ عام 1961م، فإذا كان هذا التطور هو السبب، فلم كان الانتظار ثلاث سنوات شبه كاملة؟ ولماذا «تصادف» حدوث الإفراج قبل زيارة خروشوف مباشرة، وهي الزيارة التي حدثت كتتويج للمساعدة السوفيتية في بناء السد العالي، والتي تعد أول زيارة في عهد الثورة يقوم بها زعيم الاتحاد السوفيتي!
لقد كان من بديهيات السياسة في تلك الفترة مجاملة كل دولة من الدولتين الكبريين، بإبراز شخصيات مصرية وضعت عليها بطاقة اليسار، أو شخصيات أخرى وضعت عليها بطاقة اليمين، وقد تكون البطاقة مزيفة أحيانا، ولكن المهم أن أصحاب هذه البطاقة أو تلك كانوا يصعدون أو يهبطون تبعا لرغبتنا في مجاملة هذه الدولة أو تلك، وإظهار غضبنا من الأخرى.
ولنتأمل واقعة أخرى، ربما كانت أكثر دلالة، وهذه الواقعة لا أسوقها لفيليب جلاب فقط، بل أهديها أيضا للأستاذ محمد عودة؛ تعليقا على الرواية التي نقلها عن رغبة عبد الناصر في بناء حزب ثوري يضم الماركسيين والناصريين بعد حل الحزب الشيوعي المصري. فبعد القرارات «الاشتراكية» بسنتين كاملتين، وقع انقلاب علي صالح السعدي في العراق وذبح من اليساريين - حتى المعتدلين منهم - عشرات الألوف في ليلة واحدة، وفي هذه الليلة كان الإعلام المصري - وعلى رأسه جريدة «الأهرام» نفسها، بكل ما كان يربطها من علاقات خاصة بقمة السلطة - أشبه بغرفة عمليات تتابع تطورات عملية ذبح اليساريين ساعة بساعة، وتصفق لها مهللة، فهل يمكن أن يصدر تصرف كهذا عن جهاز اقترب من اليسار، ولو إلى ربع الطريق؟ وهل يظل من الممكن بعد ذلك أن تفسر الإفراج عن اليساريين بأنه نتيجة طبيعية لتقارب التجربة الناصرية معهم؟
هذه كلها حقائق لم أخترعها، وإذا كانت تؤدي في النهاية إلى تفسير لا يتفق تماما مع تضحيات من دخلوا المعتقلات فإني آسف لذلك أسفا حقيقيا، ولكني لا أستطيع أن أشتري لهم الراحة النفسية على حساب الحقيقة التاريخية.
وقد تصور الأستاذ جلاب أنه اهتدى إلى تناقض صارخ وقعت فيه حين قلت في ملاحظة عابرة وضعتها بين قوسين إنني كنت أفضل لو لم يختتم الأستاذ مكرم عبيد جهاده بتأليف الكتاب الأسود، وأبدى تعجبه من استنكاري للتنديد بسلبيات الوفد، على حين أنني ركزت على سلبيات التجربة الناصرية، وأي قراءة متمهلة لهذا الجزء من مقالي تبين أن القضية التي دافعت عنها عندئذ هي أن الانحرافات والاستثناءات التي عددها مكرم عبيد أقل عددا، وأضيق نطاقا، إلى حد لا يقارن بنظيرتها في التجربة الناصرية، فهل يحق لشخص درس قواعد المنطق - كما فعل الأستاذ جلاب - أن يرى في هذا تناقضا؟
Página desconocida