Abdul Nasser y la Izquierda Egipcia
عبد الناصر واليسار المصري
Géneros
هنا، لا نحتاج إلى تعليق مطول على كلام الدكتور زكريا عام 1970م، لكننا نلفت النظر، بوجه خاص، إلى أن الدكتور في محاولته التعرف على الوقائع الموضوعية في المجتمع المصري توصل إلى أن تفكير المصريين قد تغير (طبعا إلى الأفضل)، وأصبح لهذا التفكير أسس ومحاور وأن هذا التغيير تم استجابة لرغبات طاغية، بمعنى أن هذه الرغبات الشعبية استطاعت أن تفرض نفسها على القيادة فتستجيب لها، وأن هذه الرغبات لم تكن (وفقا لرؤية الدكتور في 1975م) مكبوتة أو سلبية أو فاقدة الأمل في إحداث أي تغيير.
ثم نواصل قراءة المقال، والواقع أننا إذ نقرأ فإننا نميل إلى احترام د. فؤاد زكريا؛ لأنه حاول فيه أن يتعمق عددا من الظواهر السلبية التي رآها - في عام 1970م - تطفو على سطح المجتمع وأن يردها إلى أصولها، فلقد لاحظ الدكتور - مثلا - أن هناك ما يهدد أسس الفكر الاشتراكي في مصر، وفسر ذلك بقوله: «إن أفكار الناس لم يكن من الممكن أن تتغير بنفس السرعة التي تغيرت بها الوقائع فقد ظلت كثير من العقول باطنها الجمود وظاهرها الثورية. ومن جهة أخرى فإن المعاني والقيم الجديدة فاجأت عقولا أخرى لم تكن متأهبة لها، ولم تكن قد نضجت إلى الحد الذي يسمح لها باستيعاب الأفكار الجديدة، هذا فضلا عن قلة من الأذهان كانت تتعمد جذب الاشتراكية إلى الوراء، ووضعها قسرا في إطار من الأفكار المختلفة.»
هنا، أيضا لا نحتاج إلى تعليق مسهب على كلام الدكتور عام 1970م ولكننا نقول إن هذا الكلام - في ذلك الوقت - جدير بأستاذ فلسفة ينظر إلى الظاهرة فيحلل حركة تناقضاتها والصراعات في داخلها فينبه إلى ما يهدد الفكر الاشتراكي والتراث الذي خلفه عبد الناصر، وعلى العكس من ذلك يأتي د. فؤاد زكريا عام 1975م، لينظر إلى التجربة الناصرية ككتلة صماء لا تجري في زمان أو مكان، وليس لها علاقة تأثر أو تأثير بالقوى المؤيدة والمضادة، وكانت أخطر سلبياتها الخراب الذي لحق بنفس الإنسان.
لكن الدكتور عام 1970م، يواصل الرد على الدكتور عام 1975م، فيقول: إنه رغم كل محاولات تشويه الاشتراكية على المستوى الفكري، والانحراف بها، فإن الجميع قد أصبحوا ينادون - ولو بأطراف اللسان عند البعض - بالشعارات الاشتراكية.
ويعقب الدكتور على ذلك بقوله: وهذا يعد في ذاته تقدما «هائلا» ثم يشرح الدكتور لماذا هو تقدم هائل: «لأن هذا الإجماع يعكس تعلقا شديدا أو شاملا، من الشعب بالمعاني التي تعبر عنها هذه الشعارات، بحيث يكون التراجع عنها في المستقبل ضربا من المستحيلات، وفي هذا التعلق الشعبي الكامل بمبدأ الاشتراكية واضطرار القلة التي لا تؤمن بها، أو لا تفهمها، إلى صياغة أفكارها في إطار ظاهري من هذا المبدأ ذاته - في هذا ما يؤكد أن الوصف الصحيح لموقفنا الفكري بعد غياب القائد هو «الامتلاء لا الفراغ».»
ونعلق على هذا النص فنقول: بينما كان د. زكريا يرى في عام 1970م أن الشعب كان يبدي تعلقا كاملا بمبدأ الاشتراكية، وأنه كان يتعلق بشعارات الاشتراكية تعلقا شديدا وشاملا يستحيل معه التراجع عنها في المستقبل، إذا بالدكتور في عام 1975م يكتشف «إن الإنسان العادي حين يجد التجربة قد أخفقت، لا يستطيع أن يميز بسهولة بين المبدأ والتطبيق، وهكذا أصبحت طاقة السخط لديه منصبة على مبدأ الاشتراكية ذاته.»
ولنلاحظ هنا أن د. زكريا الذي كان يقول هذا الكلام هو نفسه الذي قال عام 1970م: إن الغالبية العظمى من الشعب لم يصل إليها شيء من خيرات الثورة التي فجرها عبد الناصر، ومع ذلك فقد ظلت - كما قال - تبدي تعلقا شديدا أو شاملا، بمبادئ الاشتراكية وشعاراتها.
ونواصل قراءة المقال، فنراه يشرح نظرية «الامتلاء» الذى خلفه «القائد» بعد رحيله، وما ينطوي عليه من خصوبة وثراء وتنوع فكري، هذا الذي يميز «العصر الذي نجد أنفسنا الآن على أبوابه» لكنه يحذر من أن يمتد هذا التنوع والتعدد إلى الأسس والمبادئ الأولى للطريق الاشتراكي؛ لأن المجتمع الذي يخوض معركة البناء في الداخل، فضلا عن معاركه المصيرية ضد قوى عالمية عاتية، لا يملك أن يستمتع بمثل هذا الترف.
هنا نرى إلى أي حد كان الدكتور في عام 1970م يوغل في تشدده حتى ليرفض - مع تمسكه بحرية التفكير - أن تمتد هذه الحرية إلى مناقشة «الأسس والمبادئ الأولى للطريق الاشتراكي» وقد علل ذلك بقوله:
إن البلاد لا تخوض معارك التنمية فحسب بل معارك المصير الضاربة ضد أعدائها الخارجيين وهم - في المقال - الإمبريالية والصهيونية (ولربما وجدنا من يتحفظ هنا على تشدد الدكتور في وجوب رفض مناقشة «الأسس الأولى للطريق الاشتراكي» لكننا مع ذلك نحترم موقفه؛ لأنه يبدو أنه كان يتحرك في ذلك من منطلق الحفاظ على الوحدة الوطنية).
Página desconocida