فلما سمع ذكر أمير المؤمنين خفق قلبه؛ لأنه لم يكن يعلم من أمر العباسة سوى أنها امرأة من سراري بغداد استأجرت تلك الغرفة في تلك الليلة لأمر خاص فقال: «سأقول ذلك لمولاي.»
قالت: «احذر أن تستخف بقولي.»
قال: «سمعا وطاعة.»
فقالت: «فأعدد لنا البغال ريثما نرجع.» وأسرعت إلى سيدتها فرأتها في انتظارها وقد استبطأتها، فسألتها عن سبب غيابها، فقالت: إنها ذهبت تطلب إلى حيان إعداد البغال، فصدقتها ثم خرجتا حتى ركبتا ومضتا.
أما حيان فأخذ يفكر فيما سمعه من تحريض عتبة على الاحتفاظ بأبي العتاهية، فلم يفهم لذلك سببا معقولا، وقد خوفه ذكرها أمير المؤمنين، ولكنه عزم على إبلاغ سيده ما سمعه منها في الصباح ليلقى تبعة ذلك عن عاتقه. وكان قد مضى معظم الليل فمضى إلى فراشه.
أما أبو العتاهية فإنه فر من وجه عتبة على تلك الصورة وقد ذعر وكاد الدم يجمد في عروقه من البغتة، لكنه ظن أنها لم تعرفه، فوصل إلى فراشه وركبتاه تصطكان، فاستلقى بعد أن أغلق الباب، ولبث صامتا يتوقع أن يسمع صوتا ، أو يشعر بخفق نعال أو حركة تدله على ما كان من تأثير تلك المقابلة، فمضت برهة وهو يحبس أنفاسه؛ مبالغة في الإصغاء، ويصيخ بسمعه وقد تكاثف الظلام، وشبح عتبة نصب عينيه. وأخذ يفكر فيما عسى أن تكون العاقبة، على أنه تخوف وغلب عليه الحذر. وكانت الحجرة التي بات فيها تشرف على الزقاق المؤدي إلى باب تلك الدار من نافذة كانت مقفلة، فما لبث أن سمع قرقعة اللجم وجلبة السياس، فنهض وتطلع من شق في النافذة، فرأى رياشا وبرة قد ركبا ومعهما الغلامان، فتربص ليرى ما يكون من أمر العباسة وجاريتها، فسمع حركة السياس في إعداد الركائب ورآهما قد خرجتا على بغلين، وفي ركاب العباسة سائس يده على كفل البغلة، وقد التفت بعباءة وغطت رأسها بما يشبه العمامة إخفاء لحقيقة حالها، فتحقق من ذهابهما، فاطمأن خاطره وعاد إلى فراشه، وأخذ يفكر فيما جاء من أجله إلى فنحاس، فعزم على أن يبكر في الصباح إلى غرفته ويفاتحه في هذا الشأن، ثم ينصرف إلى بيت الأمين أو إلى الفضل بن الربيع ويجيء مع من ينتدبانه لاختيار الجواري.
الفصل العاشر
طارق
نام أبو العتاهية، ولكنه لم ينم كثيرا حتى سمع جلبة في ذلك الزقاق يتخللها قرقعة اللجم وصهيل الخيل، فذعر ووثب من فراشه إلى النافذة ففتحها بخفة، فرأى الصباح قد لاح، فأطل فرأى عدة رجال على أفراس جياد، عرف من سروجها وما عليها من أكسية الديباج أنها من إصطبل الأمين، فخفق قلبه وتفرس في الراكبين فرأى بينهم الفضل بن الربيع وحوله جماعة من حاشية الأمين عرف أكثرهم، ورأى في ركابهم جماعة من الخدم، وسمع الفضل يقول: «أظن أن القوم لا يزالون نياما؟»
فأجابه أحد الفرسان: «لا بأس من إيقاظهم؛ فإن المعلم فنحاس لا يهمه إلا كسب المال ولا يبالي بالنوم.»
Página desconocida