فلما سمع الموصلي اسمها ابتسم وقال: «قرنفلة هنا. إن هذه المغنية نادرة في رخامة الصوت وإتقان الصنعة، وطالما كنت أتمنى دخولها في جملة قيان القصر، وهي من جملة الجواري البيض اللواتي تعلمن الغناء على يدي، ومن أكثرهن براعة وإتقانا.»
قال الرشيد: «إن ولدنا محمدا أهداها إلينا في هذا اليوم، ولم أر وجهها بعد.»
قال: «ووجهها جميل يا مولاي!»
فصاح حسين الخليع من وراء الستار: «نحمد الله لأن أستاذها علمها الغناء فقط ولم يعلمها الجمال.»
فضحك الرشيد وأمر الساقي فصب له قدحا، ولإبراهيم قدحا، وقال: «إن حسينا خفيف الروح. اشرب هذا القدح يا إبراهيم.»
فصاح حسين الخليع من الداخل: «جزى الله أمير المؤمنين خيرا؛ لأنه أنصف بيني وبين مغنيه، فأعطاني خفة الروح وأعطاه القدح؛ كأن خفاف الروح لا يشربون لئلا يزدادوا خفة فيطيروا.»
فضحك الرشيد وقال لإبراهيم بصوت منخفض: «قبحه الله. رمى حجرا فأصاب اثنين؛ فقد جعلني من الثقلاء وهو لا يدري.»
فسمع الخليع قوله فاستدرك خطأه وقال: «أستميح عذر أمير المؤمنين؛ فإن منع الشراب عني قد أسكرني فخلطت ورميت القول جزافا، ولكن صاحب الحاجة يعرف حاجته؛ ولذلك فلا أظن كلامي قد تجاوز إبراهيم خطوة واحدة.»
فضحك إبراهيم وقال: «كن مطمئنا يا حسين؛ فإني قد حبسته عندي، فاكفف عني.»
الفصل الخامس والأربعون
Página desconocida