فقال نافا: جاء منذ ساعتين وهو ينتظرك.
فهرع إلى حجرة الكاهن الذي لم تقع عليه عيناه منذ سنوات، ورآه جالسا، كما تعود أن يراه في الأيام الخوالي، والكتاب في يده، فلما رآه قام إليه وهو يقول بفرح: ددف! كيف أنت أيها الضابط الهمام؟
وتعانقا طويلا، وقبله خنى في خديه وباركه باسم الرب بتاح وقال له: كم تمر الأعوام سريعا يا ددف! إن وجهك هو هو الوجه الجميل ... ولكنك تنمو نموا عظيما، وكأني أرى فيك صورة جندي باسل من الجنود الذين يباركهم الملك عقب المواقع الكبرى، وتخلد بطولتهم جدران المعابد ... يا عزيزي ددف، كم أنا سعيد برؤيتك بعد هذه الأعوام الطوال!
فقال ددف والفرح يغمره: وأنا سعيد جدا يا أخي العزيز، تالله لقد غدوت صورة صادقة من رجال الكهنوت في نحافة جسمك، وهيبة محضرك، ونفاذ عينيك، هل انتهيت من الدراسة أيها الأخ العزيز؟
فابتسم خنى وقال وهو يجلس ويفسح له مكانا إلى جانبه: إن الكاهن لا ينتهي من العلم أبدا؛ لأنه لا نهاية للعلم. وقد قال قاقمنا: إن العالم يطلب العلم من المهد إلى اللحد، ويموت جاهلا. ولكني أتممت الدراسات التعليمية الأولى. - وكيف كانت حياتك في المعبد؟
فنظر إليه الشاب بعينين حالمتين وقال: واها لك أيها الزمان، كأني أستمع إليك قبل عشر سنوات وأنت تطرح علي السؤال تلو السؤال، أتذكر يا عزيزي ددف؟ ... لا داعي للعجب؛ فحياة الكاهن تمضي بين سؤال وجواب، أو سؤال ومحاولة الجواب، إن السؤال خلاصة الحياة الروحية، معذرة يا ددف، ما الذي يهمك من حياة المعابد؟ ليس كل ما يعرف يقال، وحسبك أن تعلم أنها حياة الجهاد والطهر، إنهم يعودوننا أن نجعل الجسم طاهرا مطيعا لإرادتنا ثم يلقنوننا العلم الإلهي، وهل ينثر الحب الطيب إلا في أرض طيبة؟ - وماذا أنت فاعل أيها الأخ؟ - سأعمل قريبا خادما لقرابين الرب بتاح تعالى اسمه المبارك، ولقد حزت عطف الكاهن الأكبر، وتنبأ لي بأنه لن تمضي عشر سنوات حتى أنتخب قاضيا من قضاة منف العشرة ...
فقال ددف بحماس: إني أومن بأن نبوءة قداسته ستتحقق قبل ذلك ... أنت رجل عظيم يا خنى.
فابتسم خنى ابتسامته الهادئة وقال: أشكرك يا عزيزي ددف، والآن قل لي هل تقرأ شيئا مفيدا؟
فضحك ددف قائلا: إذا حسبت خطط القتال وتاريخ الجيش المصري قراءة مفيدة، فأنا أقرأ أشياء مفيدة!
فسأله بإشفاق: والحكمة يا ددف؟! ... لقد كنت تصغي إلى أقوال الحكماء بشغف وشوق في هذا المكان قبل عشر سنوات! - الحق أنك زرعت حب الحكمة في قلبي، ولكن حياتي العسكرية لا تترك لي فراغا للمطالعة التي أهواها، ومهما يكن فقد قصرت الشقة بيني وبين الحرية.
Página desconocida