فأقول: «ملوخية؛ لقد طرحت هنا حب فجل فكيف تخرج الأرض ملوخية؟»
فتقول: «كلا؛ هذه ملوخية وقد بلغ نبتها المدى؛ فاختضرها وإلا فسدت.»
فأقطع ورقة وأمضغها فأجد طعم الملوخية ولا أجد طعم الفجل، وكنت أهمل أن أكتب أسماء البذور على الورق الذي أحفظه فيها، وأعتمد على الذاكرة والذكاء فيختلط علي الأمر، وأروح أظنني زرعت جزرا فإذا هو خيار، وكنت لجهلي ألقي البذر ولا أعنى بإعداد الأرض وإخلائها من الحجارة، وكانت أرض الحديقة جلدة في مواضع كثيرة وفي بطنها حجارة غليظة مختلطة بطينها. فلا يخرج شيء مما يقع على هذه الجلاميد، فكانت الشقراء تنبهني إلى ذلك وتعرفنيه، وكنت ربما تركت في الشتاء ما لا يبقى عليه أصله، وقلعت ما يبيد الشتاء فرعه ويبقي أرومته، فتصلح لي من خطئي ما يتيسر إصلاحه، ولم أكن أعرف الفرق بين ما يسمو من النبات صعدا ويستغني بنفسه، وما يحتاج، وهو يسمو، إلى ما يتعلق به ويرقى فيه، وما ينسطح على وجه الأرض، فأغرس الأعواد لما ينبت مفترشا، وأدع ما يحتاج إلى التعلق بلا عصب؛ فكانت هي تعلق وتقوم المعوج وتعالج ما أفسدت.
ثم حدث أن شركة الماء وضعت لنا في البيت «عدادا» يحاسبنا على القطرات بعد أن كنا نأخذ بلا حساب، ولا ننقدها في الشهر إلا خمسة عشر قرشا . فأرهقني هذا «العداد» وكلفني فوق ما أطيق، وصرت بين أمرين: إذا أبقيت على الحديقة جعت وتضورت، فإن أرضها كثيرة الرمل يذهب فيها الماء ولا يبقى منه للنبات ما يكفيه. فحاجتها إلى السقي لا تنقضي، وإذا أنا ضننت بالماء ذهبت الحديقة، فشق علي ذلك واشتد همي، وطال وجومي من جرائه، ورأت هي اغتمامي وسهومي فسألتني فأفضيت بشجني، فقالت: «احفر بئرا.»
قلت: «إيه؟ أحفر بئرا؟»
قالت: «نعم. ماذا يمنع أن تفعل؟»
قلت: «يمنع أن هذه أرض مضرسة؛ حشوها حجارة ولا يمكن أن يكون في جوفها ماء.»
قالت: «من أدراك؟ إني أعتقد أن في أرضك ماء غزيرا.»
قلت: «أما الحرث والزرع فشيء عرفنا أنك تعرفينه؛ وإن كنت لا أدري من أين جاءك هذا العلم، وأما الآبار وحفرها ...»
فقاطعتني وقالت: «أظنني أستطيع أن أدلك على موضع العين في هذه الأرض. غدا في النهار أختبر الأرض وأجسها.» •••
Página desconocida