قال: «ولكنه لا يستطيع أن يعترض على وجودك.»
فقالت: «ليست المسألة مسألة اعتراض.»
قال: «ماذا إذن؟»
فهزت كتفيها وقالت: «لا أدري.»
وسافرت بعد أيام ومعها حليمة التي انقلبت تحبها كأنها بنتها، وكان محمود في الغيط، فلما علم بحضورها خف إليها ورحب بها، فاستغربت وقالت له: «لقد صرت ظريفا.»
فضحك وقال: «لقد كبرنا يا رقية ... كنا أطفالا.»
فقالت ضاحكة: «أحسبنا ما زلنا أطفالا.»
فقال وهو مطرق: «حملنا الهم قبل الأوان علمنا ... الحمد لله على السلامة يا أهلا وسهلا.» وتبادلا الأخبار عن البيت الذي في مصر والدار التي في القرية، فقال لها إنه محتاج إلى مخازن وليس هناك مكان يتخذه مخزنا إلا الجانب القبلي من الدار، يهدم ذلك الجانب كله ويبني من جديد فيصلح به البيت من فوق وتقوم المخازن المطلوبة، فاعترضت على هذا بشدة وقالت إن هذا الجانب فيه الغرفة التي كان ينام فيها عمها، فيجب أن تبقى كما هي، وقالت إن الذي يحتاج إلى عمارة هو بيت مصر ... واسع جدا بلا ضرورة ولا ينتفع به أحد، فيحسن أن يشطر البيت شطرين واحد يبقى لسكناها، والآخر يؤجر، فاعترض الفتى وقال إن هذا يفسد البيت، فقالت إن الأمر على كل حال للشيخ سعيد وستقنعه بذلك، ومتى اقتنع الشيخ سعيد فإن الأمر يكون له، ولم يستطيعا الاتفاق ولا التفاهم وإن كان الأمر كما قالت للشيخ سعيد فكل خلاف عبث. وقام محمود مغضبا يائسا من إمكان الوفاق مع هذه الفتاة العنيدة، وجاء الليل واجتمع محمود في الساحة أمام الدار بالفلاحين يحدثهم في شئون الأرض ويحاسبهم ويتلقى منهم أخبار ما فعلوا في يومهم، وكان لا يزال متأثرا بخلافه مع رقية، فخرج عن طوره مع أحد الرجال وتفاقم الأمر، فقام محمود وضرب الرجل واجتمع الخلق عليهما وعلت الأصوات، وكانت ليلة مظلمة حالكة السواد ولا ضوء هناك إلا ضوء مصباح غاز في ردهة في الدار، فانطفأ المصباح فجأة فهاج الناس وماجوا، واشتد اللغط، وسمع صوت يقول: «أوع يا أحمد، حاسب»، وارتفع صوت محمود يصيح: «ترفع العصا علي يا كلب يا ابن ... أنا أقتلك.»
ولكن الرجال دخلوا بين المتعاركين وردوهما وحملوا محمودا إلى الدار وأغلقوا وراءه الباب. فصعد إلى فوق ولم يكد يصير إلى مكان فيه نور حتى وقف ينظر إلى يديه مستغربا.
وكانت رقية واقفة أمامه فسألته: «مالك؟ هل أصابك شيء؟»
Página desconocida