فالتفت إلى الشجرة مستغربا وقلت: «كوني متواضعة يا شجرة، كالأنبياء وتعالي أنت!»
فلم تتحرك الشجرة ولم تبرح مكانها، ولكن تحركت أغصانها وافترقت - أعني افترت - عن وجه ملائكي ما لجماله ثان في هذا العالم الفاني. فخلتني لحظة في الجنة التي وعدها المتقون، أليس الشجر فيها ينشق ثمره عن الحور العين؟ ولكني وا أسفاه لست من المتقين فلا يمكن أن تكون هذه هي الجنة، وإنما هي الدنيا، فعلي أن أرد نفسي إليها من عالم الأوهام، فقلت وأنا أدنو من الشجرة، وقد نسيت الكلب ونباحه فلو عضني لما شعرت به: «هل تسمح لي الشجرة المباركة أن أقطف هذه الثمرة الشهية؟»
فارتد الوجه ضاحكا وغاب بين الورق الأخضر.
فقلت: «سبحان ربي القادر! شجر يثمر وجوها حلوة، لها عيون آه من سحرها! وشفاه ليت رقتها تسري إلى قلوبها!»
فضحكت الشجرة، وعاد الوجه فأطل بديباجته المشرقة، ولا أدري كيف حدث هذا، ولكن الذي أدريه أني دفعت ذراعي فإذا تحت الوجه كتفان وذراعان وخصر نحيل وجسم رخص طري.
فاستحلفتني ضاحكة: «وحياة دقنك!»
قلت: «حلفت بغير شيء، فقد حلقتها اليوم!»
قالت: «يخرب عقلك!»
قلت: «ليس فيه ركن واحد عامر.»
قالت: «أطلقني!»
Página desconocida