وروى مكحول عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)) وفي خبر آخر ((اطلبوا العلم ولو بالصين فإن طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)) وعن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: عليكم بالعلم قبل أن يقبض وقبضه أن يذهب أصحابه، وعليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه. ثم تكلم الناس في طلب الزيادة قال بعضهم: إذا تعلم من العلم مقدار ما يحتاج إليه ينبغي أن يشتغل بالعمل به ويترك التعلم، وقال بعض الناس: إذا اشتغل بزيادة العلم فهو أفضل بعد أن لا يدخل النقصان في فرائضه وهذا القول أصح. فأما حجة الطائفة الأولى فيما روى جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران عن أبي الدرداء قال: ويل للذي لا يعلم مرة وويل للذي يعلم ولا يعمل به سبع مرات. وروي عن فضيل بن عياض أنه قال: من عمل بما يعلم شغله الله تعالى عما لا يعلم. وقال: لأن العمل لنفسه وطلب الزيادة لغيره، فالاشتغال بأمر نفسه بما هو لنفسه أولى لأن فكاك رقبة نفسه أهم إليه: وأما حجة الطائفة الأخرى فقول الله تعالى {فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم} الآية، وقال في آية أخرى: {قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون} وقال في آية أخرى: {ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب} الآية. قال أهل التفسير: يعني كونوا فقهاء علماء. وروى ثوبان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((فضل العلم خير من العمل وملاك دينكم الورع)). وعن الحسن البصري رحمه الله قال: من العمل أن يتعلم الرجل العلم فيعلمه الناس. وعن عبد الله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: تذاكر العلم ساعة من الليلة أحب إلى الله من إحيائها. وعن عوف بن عبد الله قال: جاء رجل إلى أبي ذر الغفاري فقال: إني أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه ولا أعمل به، فقال: إنك إن تتوسد بالعلم خير لك من أن تتوسد بالجهل، ثم ذهب إلى أبي الدرداء فسأله فقال أبو الدرداء: إن الناس يبعثون من قبورهم على ما ماتوا عليه: العالم عالما والجاهل جاهلا، ثم ذهب إلى أبي هريرة فسأله عن ذلك فقال له أبو هريرة: كفى بتركه ضياعا. وعن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه قال: الناس رجلان عالم رباني ومتعلم على سبيل النجاة وسائرهم همج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، والعلماء باقون ما بقي الدهر وأعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة، ولأن منفعة العمل لنفسه خاصة ومنفعة العلم ترجع إلى نفسه وإلى الناس عامة فصار هذا أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((خير الناس من ينفع الناس)) وروي ((أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ فقال: العلم، فسأله ثانيا وثالثا فأجابه مثل جوابه الأول، فقال: يا رسول الله عليك السلام إني أسالك عن العمل؟ فقال عليه الصلاة والسلام: هل يقبل الله الأعمال إلا بالعلم)) وروي ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أفضل ما يتصدق به العبد أن يتعلم العلم ثم يعلمه غيره)) والأخبار في هذا كثيرة.
Página 304