الحجة الأولى: من حجج ابرقليس التى يبرهن بها أن العالم أبدى: قال: إن الحجة الأولى من الحجج التى نبين بها أن العالم أزلى مأخوذة من جود البارى، فإنه لا إقناع أثبت منه فى البرهان: من أمر الكل على أنه مثل ما عليه: أتاه الحق، وعنه كان وجوده. وذلك لما كان للجود وحده كون الكل، فأتى به لأنه ليس يجوز أن يقال إن خلقه لغير الجود. وليس هو حينا جوادا وحينا ليس بجواد فهو دائما سبب لوجود العالم، إذ كان كون العالم مساويا لكون البارى، فإنا لا نجد شيئا يتعلق به بوجه أن يكون إنما فعل العالم لأنه جواد، ولا يكون أبدا بفعله. وهو أبدا جواد. فإذ قد كان أبدا جوادا، فأبدا يحب أن تكون الأشياء كلها مشاكلة له. وإذ كان يحب الأشياء كلها مشاكلة له، فهو يقدر على أن يجعل جميع الأشياء مشاكلة له، إذ كان رب الأشياء كلها والمالك لها. فإذا كان يحب أن تكون الأشياء كلها مشاكلة له ويقدر على أن يجعل الأشياء كلها مشاكلة، فهو أبدا يفعلها. وذلك أن كل ما لا يفعل، فتركه الفعل: إما لأنه لا يشاء أن يفعل، وإما لأنه لا يقدر أن يفعل — إن كان ممن يجوز عليه أنه قابل لأحد الأمرين. فإذا كان البارى تعالى من قبل جوده فعل العالم، ففعله أبدا. فيجب من ذلك أن يكون العالم غير مكون منذ زمن، ولا فاسدا فى زمن. وذلك أن القول بأنه غير قادر على أن يفعل ما يشاء — مما يستحق أن يهزأ به، لأنه يلزم متى كان حينا قادرا وحينا غير قادر أن لا يكون غير قابل للاستحالة والتأثير، وذلك أن فقده القدرة علة قبول الأثر، والمتغير من لا قدرة إلى القدرة قد استحال، لأن القوة ولا قوة هما من الكيف، والاستحالة هى التغير فى الكيف. فإذا كان أبدا قادرا على أن يخلق وأبدا يشاء أن يخلق، فيجب ضرورة أن يكون أبدا يخلق وأبدا الكل مخلوقا وأبدا العالم موجودا، كما أن الخالق أبدا خالق. غير أن الخالق أبدا موجود، والعالم أبدا متكون، فإن معنى «أبدا» ليس هو فيهما جميعا معنى واحدا بعينه، بل معناه فى الخالق الدهر والأزلية؛ ومعناه فى العالم الزمان الذى لا نهاية 〈له〉 من قبل أن المساوق للموجود هو الدهر والأزلية، والمساوق للمتكون هو الزمان.
[chapter 2]
الحجة الثانية: إن كان مثال العالم أزليا، ومعنى ما هو هو أنه مثال ما، وليس بطريق العرض لكن بذاته له هذه القوة إذ كان بمعنى وجوده نفسه هو مثال ما وليس بطريق العرض لكن بذاته له هذه القوة، إذ كان بمعنى وجوده نفسه هو مثال فإن وجوده لما كان أزليا فلا محالة أنه أزليا مثال. فان كان معنى أنه مثال أزليا له، لزم من ذلك ضرورة أن يكون الممثل أيضا أبديا، وذلك أن المثال إنما هو بالقياس إلى الممثل وإن كان الممثل لم يكن حينا لم يكن ولا يكون حينا لا يكون لئلا يكون المثال إما غير موجود متى لم يكن الممثل وإما مثالا لغير ممثل، إذ كان الشيئان اللذان إنما يقال كل واحد منهما بالقياس والإضافة إلى صاحبه ليس يمكن أن يوجد أحدهما والآخر غير موجود. فيجب من ذلك إن كان المثال أزليا هو مثال، أن يكون العالم أبدا ممثلا على المثال الذى هو أزلى.
[chapter 3]
Página 35