والشاعر من شعر يشعر فهو شاعر، والمصدر [الشعر] ولا يستحق الشاعر هذا الاسم حتى يأتي بما لا يشعر به غيره، وإذا كان إنما يستحق اسم الشاعر لما ذكرنا فكل من كان خارجا عن هذا الوصف فليس بشاعر، وإن أتى بكلام موزون مقفى؛ وقد كره قوم قول الشعر واستماعه، وإنما الشعر كلام موزون، فما جاز في الكلام جاز فيه، وما لم يجز في ذلك لم يجز فيه، وقد سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - الشعر واستنشده وأناب عليه، وأنشد في مسجده على منبره، وقال لحسان: "اهج قريشا ومعك روح القدس" وقال: إن من الشعر لحكما". ومما احتج به من كرهه ما روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله: "لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه خير له من أن يمتلئ شعرا"، وما روي # عنه في شأن امرئ القيس وقوله: "ذلك رجل مذكور في الدنيا منسي في الآخرة، ويأتي يوم القيامة ومعه لواء الشعراء حتى يقودهم النار". وهذا القول منه -عليه السلام - خاص في كفار الشعراء، والدليل على ذلك إجماع الأمة على أن حسان بن ثابت، وكعب بن زهير، وغيرهما من شعراء المؤمنين الذين كادوا يناضلون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بأشعارهم، ويجاهدون معه بألسنتهم وأيديهم، خارجون عن جملة من يرد النار مع امرئ القيس، وقد وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم - حسان بن ثابت بذلك فقال: "جاهد معي بيده ولسانه"، وأقعد كعب ابن زهير على منبره فأنشد:
(بانت سعاد فقلبي اليوم متبول)
حتى إذا بلغ إلى قوله:
(إن الرسول لنور يستضاء به ... وصارم من سيوف الله مسلول)
Página 131