وأما الظن فإنه إذا قويت شواهده، وعضده من الرأي ما يوجبه، فإنما يجب العمل عليه، ولا يجب العلم بحقيقته، والفرق بينه وبين ما نحن فيه يأتي من الإخبار عن الآحاد، ومن القياس المقنع أن ذلك مقبول # على ظاهره، فإنا نقبل كل آت به، ولا نتهمه بكذب، وكل نتيجة ظهرت عن مقدمة يجوز استعمالها عند أهل النظر، وإن لم يشهد بصحة ذلك، ولسنا نقبل الظن على ظاهره، ولا نعمل عليه إلا إذا شهد له غيره، فهو كخبر الفاسق أو الكافر الذين لا يكذبان ولا يصدقان فيه إلا أن يظهر لسامعهما ما يوجب التصديق أو التكذيب فيعمل عليه. وأما الباطل الذي لا شبهة فيه فما ظهر عن مقدمات كاذبة مخالفة للطبيعة مضادة للعقل، أو جاء في أخبار الكاذبين الذين يخبرون بالمحال، وما يخالف العرف والعادة، وذلك مثل اعتقاد السوفسطائيين أنه لا حقيقة لشيء من الأشياء، وأن الأمور كلها بالظن والحسبان، واعتقادهم حقيقة ما يقولونه دليل على أن للأشياء حقائق في أنفسها، فإنهم مبطلون دعواهم؛ وكإخبار النصارى عن المسيح -عليه السلام - بأنه كان بشرا فصار إلها، وكان محدثا فصار قديما، وأن الواحد الذي هو جزء للثلاثة ثلاثة من غير تفريق، وأن الثلاثة التي هي كل للواحد واحد من غير جمع [وتركيب]: وإتيانهم في ذلك بالمحال الذي لا يعقل. ولما أن كان الله - عز وجل - قد أمرنا أن نعتقد الحق، ونقول به، وألا نعتقد الباطل ولا ندين به، فقال الله - عز وجل - {وقل الحق من ربكم} وقال: {ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه}، وعرفنا زهوق الحق، وخسران أهله، فقال عز وجل:
Página 88