Burhan Fi Culum Quran
البرهان في علوم القرآن
Investigador
محمد أبو الفضل إبراهيم
Editorial
دار إحياء الكتب العربية عيسى البابى الحلبي وشركائه
Número de edición
الأولى
Año de publicación
١٣٧٦ هـ - ١٩٥٧ م
مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ أَفَلَا يَسْمَعُونَ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وأنفسهم أفلا يبصرون﴾ فَانْظُرْ إِلَى قَوْلِهِ فِي صَدْرِ الْآيَةِ الَّتِي الْمَوْعِظَةُ فِيهَا سَمْعِيَّةٌ ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ وَلَمْ يَقُلْ أَوَلَمْ يَرَوْا وَقَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْمَوْعِظَةِ: ﴿أفلا يسمعون﴾ لأنه تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْكِتَابِ وَهُوَ مَسْمُوعٌ أَوْ أَخْبَارُ القرون وهو كما يُسْمَعُ وَكَيْفَ قَالَ فِي صَدْرِ الْآيَةِ الَّتِي مَوْعِظَتِهَا مَرْئِيَّةٌ: ﴿أَوْلَمَ يَرَوْا﴾ وَقَالَ بَعْدَهَا أَفَلَا يُبْصِرُونَ لِأَنَّ سَوْقَ الْمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ مرئي.
ومنه قوله تعالى: ﴿قالوا يا شعيب أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إنك لأنت الحليم الرشيد﴾
فَإِنَّهُ لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْعِبَادَةِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ كَانَ ذَلِكَ تَمْهِيدًا تَامًّا لِذِكْرِ الْحُلُمِ وَالرُّشْدِ لِأَنَّ الْحُلُمَ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ التَّكْلِيفُ وَالرُّشْدُ حُسْنُ التَّصَرُّفِ فِي الْأَمْوَالِ فَكَانَ آخِرُ الْآيَةِ مُنَاسِبًا لِأَوَّلِهَا مُنَاسَبَةً مَعْنَوِيَّةً وَيُسَمِّيهِ بَعْضُهُمْ مُلَاءَمَةً
وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير﴾
فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا قَدَّمَ نَفْيَ إِدْرَاكِ الْأَبْصَارِ لَهُ عَطَفَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ﴾ خِطَابًا لِلسَّامِعِ بِمَا يَفْهَمُ إِذِ الْعَادَةُ أَنَّ كُلَّ لَطِيفٍ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ أَلَا تَرَى أَنَّ حَاسَّةَ الْبَصَرِ إِنَّمَا تُدْرِكُ اللَّوْنَ مِنْ كُلِّ مُتَلَوِّنٍ وَالْكَوْنَ مِنْ كُلِّ مُتَكَوِّنٍ فَإِدْرَاكُهَا إنما هو للمركبات دون المفردات ولذلك لَمَّا قَالَ ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ﴾ عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ الْخَبِيرُ مُخَصِّصًا لِذَاتِهِ سُبْحَانَهُ بِصِفَةِ الْكَمَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ أَدْرَكَ شَيْئًا كَانَ خَبِيرًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ لِأَنَّ الْمُدْرِكَ لِلشَّيْءِ قَدْ يدركه ليخبره ولما كان الأمر كذلك أَخْبَرَ ﷾
1 / 80