ولما تضمنت هذه السورة الكريمة من بسط الاعتبار وإبداء جهات النظر ما إذا تأمله التأمل علم أن حجة الله قائمة على العباد، وأن إرساله الرسل رحمة ونعمة وفضل وإحسان، وإذا كانت الدلالات مبسوطة والموجودات شاهدة مفصحة، ودلالة النظر من سمع وإبصار وأفئدة موجودة، فكيف يتوقف عاقل في عظيم رحمته تعالى بإرسال الرسل، فتأكدت الحجة وتعاضدت البراهين.
فلما عرف الخلق بقيام الحجة عليهم بطريقي الإصغاء إلى الداعي
والاعتبار بالصنعة قال الله تعالى: "قل فلله الحجة البالغة" (آية ١٤٩) "فَقَدْ جَاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ" (آية: ١٣٧) فما عذر المعتذر بعد هذا
أتريدون كشف الغطاء ورؤية الأمر عيانا، لو استبصرتم لحصل لكم ما منحتم "هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلَائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ". (الآية: ١٣٨)، ثم ختمت السورة من التسليم والتفويض بما يجدي مع قوله: "فلو شاء لهداكم أحمعين "
(آية: ١٤٩) وحصل من السور الأربع بيان أهل الصراط المستقيم وطبقاتهم في سلوكهم وما ينبغي لهم التزامه أو تركه وبيان حال المتنكبين عن سلوكه من اليهود والنصارى وعبدة الأوثان والمجوس.
سورة الأعراف
لما قال تعالى ابتداء بالاعتبار (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَارًا وَجَعَلْنَا الْأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ (٦)
1 / 210