Constructores del Islam: Mahoma y sus Sucesores
بناة الإسلام: محمد وخلفاؤه
Géneros
وقد أمن أهل مكة وهو يطوف البيت، فلما دخل الكعبة ورأى فيها الأصنام أخذ يكسرها وهو يقول: «جاء الحق وزهق الباطل، إن الباطل كان زهوقا.» وكان بيده الشريفة قضيب، فما أشار به إلى صنم من أمامه إلا استلقى على قفاه، أو من خلفه إلا انكب على وجهه، ورأى فيها صورة إبراهيم وفي يده الأزلام يستقسم بها، فقال: قاتلهم الله، جعلوا شيخنا يستقسم بالأزلام! ما شأن إبراهيم والأزلام! ثم أمر بتلك الصور فطمست.
وقام الرسول على الصفا يدعو الله تعالى ويحمده على هذا الفتح المبين، وقد أحدقت حوله الأنصار، فقال بعضهم لبعض: أتظنون أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم
يرجع إليكم وقد فتح الله عليه أرضه وبلده؟
فلما فرغ الرسول من دعائه قال: ماذا تقولون يا معشر الأنصار؟ قالوا: لا شيء يا رسول الله. فلم يزل بهم حتى أخبروه، فقال
صلى الله عليه وسلم : معاذ الله، المحيا محياكم، والممات مماتكم.
بينا كانت كل هاتيك الخواطر عن هذه الحادثات الخالدات تمر سراعا أمام عيني مخيلتي، كنا قد وصلنا إلى جدة، ومنها واصلنا السير إلى يثرب في ذلك الطريق المعبد المجاور للبحر، وقد أخذت السيارة تقطعه في سرعة وسهولة، وقد زاد متعة النفس ما كنت أشاهده من مناظر طبيعية، لا أغالي إذا قلت إنها أبدع ما صنعته قدرة الخلاق في هذا الكون؛ مناظر متمازجة أيما تمازج بين ماء وسماء وصحراء، فسبحان المبدع الأعظم!
وذكرت وأنا في ذلك الطريق الطويل ما كان عليه في الماضي من وعورة، وكم لاقى من وعورته صحابة محمد من الغزاة الفاتحين، وقد بعث بهم بالسرايا يدعون الناس إلى الإسلام، ثم ذكرت كيف كان محمد يدعو كل أمير على سرية إلى أن يبشر بالدعوة بالحسنى فلا يقاتل. فكانت القبائل والوفود تدخل في دين الله أفواجا حتى أعز الله الإسلام، ولم يعد أمام محمد إلا أن يعلم جيله، وبدأ بصحابته الذين كان يعلم أنهم سيكونون من بعده أساتذة الأجيال المقبلة، جيلا بعد جيل، فأتباع الصحابة تعلموا عن الصحابة، وتابعو التابعين تعلموا عن التابعين، وبذلك وضع محمد تعاليم الدين أساسا لملكه، فكان ملكه هو المثل الأعلى بين الأمم والشعوب، بل إنه قد غلب ملك كسرى، وملك هرقل، وملك المقوقس، وغالبت مدنيته جميع المدنيات وغلبتها.
وضع محمد قوانينه، فكانت وما زالت حتى اليوم خير القوانين وأدعمها أسسا، وأقواها أثرا، وأعمها نفعا. وضع قوانينه المستمدة من القرآن ، فنظمت الزكاة والمال والاقتصاد والصحة والزواج والطلاق والعتق والإرث وما إلى ذلك، بل إنه وضع كل تشريع ما زال الغربيون إلى اليوم يرجعون إليه ويستمدون منه إذا غم عليهم، وإذا ادلهمت أمورهم، وإذا سارت شئونهم في طريق الزلل والشطط والضلال.
الرسول يودع الدنيا
Página desconocida