وإذا كان إمام أئمة المدينة - مع عظم شأنهم - كان إمامًا لغيرهم بالأولى. فهو إمام الأئمة لا بمجرد الدعوى، بل بشهادة العقل والنقل. يحكم بذلك كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد (اقتصرت فيه على أرجح الأقاويل) هذا نعت لكتاب؛ أي كتاب اقتصرت فيه عند الاختلاف في حكم على القول الراجح عند الأشياخ. فلم يقع فيه ذكر القولين إلا قليلًا حيث لم يظهر ترجيح لأحدهما.
(مبدلًا غير المعتمد منه به،
ــ
أدرك عائشة بنت سعد بن أبي وقاص - وقيل بصحبتها - ولكن الصحيح أنها ليست صحابية. وهو عالم المدينة. لم تشد الرحال لعالم بها كما شدت له حتى يحمل عليه. وناهيك ما اشتهر: لا يفتى ومالك بالمدينة. روى الحاكم وغيره بروايات متعددة: «يخرج ناس من المشرق والمغرب في طلب العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة» وخرجه الترمذي بلفظ: «يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل». ويروى: «آباط الإبل يطلبون العلم فلا يجدون عالمًا أفقه من عالم المدينة» قال سفيان: كانوا يرونه مالكًا. قال ابن مهدي: يعني سفيان بقوله كانوا يرونه: التابعين الذين هم من خير القرون. ويروى: «لا تنقضي الساعة حتى يضرب الناس أكباد الإبل»، إلخ انظر (ح). وبالجملة متى قيل: هذا قول عالم المدينة، فهو المراد. وفي (ح) أيضًا: ما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكًا. والتحنيك في العمامة شأن الأئمة. وعن مالك: جالست ابن هرمز ست عشرة سنة في علم لم أبثه لأحد، ومذهبه عمري؛ سد الحيل واتقاء الشبهات. ولم يعتزل مالكي قط وعليه أهل الغرب الوارد بقاؤهم على الحق. وألف السيوطي كتابًا يسمى "تزيين الممالك في ترجمة الإمام مالك" أثبت فيه أخذ الإمام أبي حنيفة عنه. قال: وألف الدارقطني جزءًا في الأحاديث التي رواها أبو حنيفة عنه. بل روى عن الإمام من هو أكبر سنًا من أبي حنيفة وأقدم وفاة، كالزهري وربيعة، وهما من شيوخ مالك وأخذا عنه، فأولى قرينه. ومن شيوخ مالك من غير التابعين: نافع بن أبي نعيم القارئ؛ قرأ عليه مالك القرآن. وروى هو عن مالك، وهو غير نافع التابعي مولى ابن عمر. وحملت بالإمام أمه ثلاث سنين. وكانت ولادته سنة ثلاث وتسعين من الهجرة على الأشهر بذي المروة؛ موضع من مساجد تبوك على ثمانية برد من المدينة. وكانت وفاته على الصحيح يوم الأحد لتمام اثنتين وعشرين يومًا من ربيع الأول سنة تسع وسبعين ومائة. وصلى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وكان يومئذ واليًا على المدينة. ودفن بالبقيع وقبره مشهور وعليه قبة، وبجانبه قبر لنافع؛ قيل: نافع القارئ أو هو مولى ابن عمر. ومناقبه وفضله أظهر من الشمس في رابعة النهار ﵁ وعنا به.
قوله: [قلب]: أي عقل كامل.
وقوله: [أو ألقى السمع] إلخ: أي صغى بسمعه وهو حاضر بقلبه لما يذكر من مناقب الإمام، وفيه اقتباس من الآية الكريمة. قوله: [أرجح الأقاويل]: أي أقواها إن وجد راجح وأرجح، وعلى الراجح إن وجد راجح ومرجوح. فأفعل التفضيل في كلامه ليس على بابه دائمًا كما يفيده حل الشارح. والراجح عندهم: ما قوي دليله والمشهور: ما كثر قائله. ولكن مراد المصنف بالأرجح والراجح: القوي والأقوى؛ إما لقوة دليله أو لكثرة قائله، لأنه ليس ملتزمًا لاصطلاحات المختصر.
مسألة: للمفتي إذا استفتي في مسألة فيها قولان أن يحمل المستفتي على أيهما.
وقيل: بل يخبره بالقائلين، فيقلد أيهما أحب كما لو كانوا أحياء. وهذا إذا لم يكن فيه أهلية للترجيح، وإلا فليرجح أحد الأقوال - انظر الأجهوري.
مسألة أخرى - في الحطاب: أن من أتلف بفتواه مجتهدًا لا يضمن، ومقلدًا يضمن إن انتصب أو تولى فعل ما أفتى به، وإلا - فغرور قولي لا ضمان فيه، ويزجر وإن لم يتقدم له اشتغال بالعلم، أدب وتجوز الأجرة على الفتيا إن لم تتعين. وذكر عن ابن عمر تقديم الشاذ في المذهب على مذهب الغير، والأشياخ على عكسه.
مسألة أخرى - في (شب): أنه يمتنع تتبع رخص المذاهب. وفسرها بما ينقض به حكم الحاكم من مخالف النص وجلي القياس. ولغيره: أن معناه رفع مشقة التكليف باتباع كل سهل. وفيه أيضًا منع التلفيق.
والذي قاله شيخنا الأمير عن شيخه العدوي عن شيخه الصغير وغيره: أن الصحيح جوازه، وهو فسحة. لكن لا ينبغي فعلها في النكاح، لأنه يحتاط في الفروج ما لا يحتاط في غيرها.
قوله: [مبدلًا]: أي معوضًا.
قوله: [غير المعتمد]: أي غير القوي.
وقوله: [به]: أي بالمعتمد، بمعنى القوي سواء كانت قوته لرجحانه
1 / 9